مقدمة
نسعى دائماً في حياتنا إلى تحقيق الأفضل في كل شيء، ونتمنى أن تكون نهايتنا سعيدة ومُرضية. ومن جميل ما يدعو به المسلم، الدعاء بأن يجعل الله خير أعمالنا خواتيمها. هذا الدعاء يحمل في طياته رجاءً بأن يوفقنا الله للاستمرار على طريق الخير والصلاح، وأن نختم حياتنا بأعمال ترضي الله سبحانه وتعالى.
وقد ورد هذا الدعاء في حديث ضعيف رواه أنس بن مالك -رضي الله عنهما- عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
((كَانَ مَقَامِي بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قُبِضَ، فَكَانَ يَقُولُ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَوَاتِمَهُ، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ)).
[1][2]
كما ورد عن معاوية بن قرة أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- كان يقول: “اللَّهمَّ اجعَل خيرَ عمُري آخرَهُ، وخيرَ عملي خواتمَهُ، وخيرَ أيَّامي يومَ ألقاكَ”.[3] وهذا يؤكد أهمية الدعاء بأن يوفقنا الله لحسن الخاتمة وأن يختم أعمالنا بالصالحات.
أهمية حسن النهاية
تتجلى أهمية حُسن الخاتمة في أن الأعمال تُوزَن وتُقَوَّم بخواتيمها، فالنهاية الحسنة هي الفيصل في تحديد مصير الإنسان. وقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الحقيقة في حديثه الشريف:
(إنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أهْلِ النَّارِ وإنَّه مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ويَعْمَلُ عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ وإنَّه مِن أهْلِ النَّارِ، وإنَّما الأعْمَالُ بالخَوَاتِيمِ).
[4][5]
ويوضح هذا الحديث أن العبرة ليست ببداية العمل، بل بنهايته. فقد يعمل الإنسان عملاً صالحاً في بداية حياته، ولكنه يختم حياته بعمل سيئ فيكون مصيره النار، والعياذ بالله. وقد جاء هذا الحديث تعليقاً على قصة رجل كان يقاتل في صفوف المسلمين، ولكنه عندما أُصيب، لم يصبر على الألم وقتل نفسه، فكان مصيره النار.
قال صلى الله عليه وسلم:(مَن أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلى الرَّجُلِ مِن أهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إلى هذا فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، وهو علَى تِلكَ الحَالِ مِن أشَدِّ النَّاسِ علَى المُشْرِكِينَ، حتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بيْنَ ثَدْيَيْهِ حتَّى خَرَجَ مِن بَيْنِ كَتِفَيْهِ).
[4][5]
فالبداية الحسنة وحدها لا تكفي، بل يجب أن يصاحبها ثبات واستقامة حتى النهاية.
طرق تحقيق الخاتمة الحسنة
لتحقيق الخاتمة الحسنة، يجب على المسلم أن يسعى جاهداً للأخذ بالأسباب التي تؤدي إليها، ومن أهم هذه الأسباب:
- الخوف من الله والرجاء فيه: الخوف من الله يدفع الإنسان إلى اجتناب المعاصي، والرجاء في رحمته يحثه على فعل الخيرات.
- التوبة الصادقة: المبادرة بالتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وعدم التسويف فيها.
- الدعاء والإلحاح فيه: الدعاء بحسن الخاتمة والتضرع إلى الله -سبحانه وتعالى- بقلب خاشع.
- عدم التعلق بالدنيا: قصر الأمل وعدم الانغماس في ملذات الدنيا، وتذكر الموت والاستعداد له.
- بغض المعاصي: كره المعاصي والابتعاد عنها، ومجاهدة النفس في تركها.
- الصبر والرضا: الصبر على البلاء والرضا بقضاء الله وقدره، وعدم الجزع والتسخط.
- حسن الظن بالله: التفاؤل برحمة الله وحسن الظن به، خاصة في لحظات الاحتضار. قال -صلى الله عليه وسلم-:
(لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ باللَّهِ الظَّنَّ).[7] - التفكر في نعيم الجنة وعذاب النار: التعرف على ما أعده الله للمؤمنين من نعيم، وما أعده للعصاة من عذاب.
دلائل حُسن الختام
لا يمكن لأحد أن يجزم بمصير شخص بعد موته، فهذا الأمر من علم الغيب الذي اختص الله به نفسه. ولكن هناك علامات قد تدل على حسن خاتمة المرء، ومن هذه العلامات:
- أن يكون آخر كلام الميت: “لا إله إلا الله”.
- الموت برشح الجبين، أي أن يتصبب جبينه عرقاً لحظة موته.
- الاستشهاد في سبيل الله -تعالى- وإعلاء كلمته.
- الموت بداء البطن.
- الموت بالغرق.
- الموت بالطاعون.
- الموت بالحرق.
- موت المرأة في النفاس بسبب ولادتها.
- الموت تحت الهدم.
- الموت على عمل صالح.
- الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس والأهل والعرض.
- الثناء على الميت بالخير والصلاح من قبل جمع من المسلمين.
- الموت أثناء الإحرام بالحج.
المصادر
- رواه ابن السني، في عمل اليوم والليلة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:121، ضعيف جدا.
- الشيخ طارق عاطف حجازي (3/12/2014)،”حديث اللهم اجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك”،الألوكة.
- أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشْران بن محمد بن بشْران (1997)،أمالي ابن بشران(الطبعة 1)، السعودية:دار الوطن، صفحة 242.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:6607 ، صحيح.
- محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424)،كتاب أحوال المحتضر، السعودية:الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 141.
- سعيد بن وهف القحطاني،كتاب أحكام الجنائز، السعودية:مطبعة سفير، صفحة 72-79.
- رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2877 ، صحيح.
- محمد عبد العزيز أحمد العلي (1424)،كتاب أحوال المحتضر، السعودية:الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 145-148.