ملامح المؤمنين: نظرة في خصالهم الحميدة

ملامح المؤمنين: استكشاف للخصال الحميدة التي يتحلى بها المؤمنون كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

تمهيد

الثناء كله لله، الحمد لله الذي لا إله إلا هو، ولا معبود بحق سواه. الحمد لله الذي أنار قلوب المؤمنين بنوره، وبصرهم بهدايته، فأقبلوا على طاعته وتجنبوا معصيته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وإلاهيته. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين. صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحث على تقوى الله

أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، والإخلاص له في القول والعمل. فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).” [الأحزاب: 70-71]

السمات الأولى

إخوتي الأفاضل، سأتحدث في هذا الجزء عن بعض خصائص المؤمنين الذين رضي الله عنهم وأرضاهم. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (قَالَ اللَّـهُ هَـذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).” [المائدة: 119]

يا أيها الإخوة الكرام، إن من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا هي نعمة الإيمان، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـكِنَّ اللَّـهُ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَـئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).” [الحجرات: 7]

اعلموا يا عباد الله أن الله تعالى وصف عباده المؤمنين بصفات عديدة في سورة المؤمنون، منها:

  • الخشوع في الصلاة:

    قال الله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).” [المؤمنون: 2]

    أي: حضور القلب والتذلل لله. ومن صور الخشوع في الصلاة أن لا يجاوز بصر المصلي موضع سجوده، وأن يحضر قلبه بين يدي الله.

  • الإعراض عن الكلام الباطل:

    قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ).” [المؤمنون: 3]

    اللغو هو الكلام الذي لا فائدة فيه ولا خير منه، ويشمل الهزل واللعب. فالمؤمن يسمو بنفسه عن الكلام الذي لا طائل تحته. وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه قائلاً: (ألا أُخبرُك بمِلاكِ ذلك كلِّه؟ كُفَّ عليك هذا وأشار إلى لسانِه قال: يا نبيَّ اللهِ! وإنا لَمُؤاخذونَ بما نتكلَّم به؟ قال: ثَكِلَتْك أُمُّك يا معاذُ! وهل يَكبُّ الناسَ في النَّارِ على وجوهِهم إلا حصائدُ ألسنتِهم؟).”

  • تأدية الزكاة:

    قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ).” [المؤمنون: 4]

    بين الله أن من صفات المؤمنين إخراج زكاة أموالهم، سواء كانت نقودًا، أو ذهبًا، أو فضة، أو عروض تجارة، أو غير ذلك. فالزكاة هي حق المال.

  • حفظ الفروج:

    قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).” [المؤمنون: 5-6]

    من صفات المؤمن حفظ فرجه عن الزنا. فلا يقرب المؤمن إلا ما أحله الله له.

  • الوفاء بالأمانات:

    قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).” [المؤمنون: 8]

    المؤمن حريص على أداء الأمانات والوفاء بالعهود، وتشمل الأمانات حقوق الله وحقوق العباد.

  • المحافظة على الصلوات:

    قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ).” [المؤمنون: 9]

    المؤمن يحافظ على أداء الصلاة في أوقاتها، ويراعي أركانها وواجباتها وسننها وشروطها.

أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بالامتثال لأوامر الله عز وجل، واجتناب نواهيه؛ لنفوز بالأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي أعده الله سبحانه لعباده المؤمنين، قال جل وعلا في كتابه العزيز: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا).” [النساء: 57]

وقد ثبت في الحديث الصحيح أنّ الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ -تَبارَكَ وتَعالَى-: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ).”

السمات الأخرى

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أيها الأحبة في الله، إن المتأمل في أواخر سورة الفرقان يجد أن الله سبحانه وتعالى وصف عباده المؤمنين بجملة من الصفات منها:

  • التواضع:

    قال الله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا).” [الفرقان: 63]

    عباد الرحمن يمشون بسكينة ووقار، لا يتكبرون ولا يتباهون.

  • الإعراض عن الجاهلين:

    قال الله تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا).” [الفرقان: 63]

    إذا خاطبهم الجاهلون بكلام سيئ، أجابوهم بالمعروف أو تجاهلوا ما سمعوا.

  • قيام الليل:

    قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا).” [الفرقان: 64]

    من صفات المؤمنين الحرص على قيام الليل ساجدين وقائمين لله.

  • الاعتدال في الإنفاق:

    قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).” [الفرقان: 67]

    المؤمنون معتدلون في إنفاقهم، فلا إسراف ولا بخل.

  • تحريم قتل النفس:

    قال الله تعالى: (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ).” [الفرقان: 68]

    المؤمن لا يقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن قتل النفس من أكبر الكبائر إلا في حالات استثنائية وهي:(الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلْجَماعَةِ).”

اللهم يا مقلب القلوب، ارزقنا تطبيق هذه الصفات وثبت قلوبنا على دينك، واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.

الدعاء

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).” [الحشر: 10]

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).” [آل عمران: 147]

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).” [البقرة: 201]

(رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا).” [الفرقان: 65]

(اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى).”

(اللهمَّ اهدِنا فِيمَنْ هَدَيتَ، وعافنا فيمن عافَيْتَ، وتولَّنِا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وبارِكْ لنا فيما أعطيْتَ، وقِنا شرَّ مَا قَضَيْتَ، فإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وإنه لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتعالَيْتَ).”

(اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لنا دِينِنا الذي هو عِصْمَةُ أَمْرنا، وَأَصْلِحْ لنا دُنْيَانا الَّتي فِيهَا معاشِنا، وَأَصْلِحْ لنا آخِرَتنا الَّتي فِيهَا معادِنا، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لنا في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لنا مِن كُلِّ شَرٍّ).”

(اللهم إنِّا نسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْنا منهُ وما لم نعلَمْ، ونعوذُ بِكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْنا منهُ وما لم نعلَمْ، اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ من خيرِ ما سألَكَ عبدُكَ ونبيُّكَ، ونعوذُ بِكَ من شرِّ ما عاذَ بِهِ عبدُكَ ونبيُّكَ ، اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ ، ونعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ).”

عباد الله، إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. وأقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.

المصادر

  • القرآن الكريم
  • السنة النبوية المطهرة
Total
0
Shares
المقال السابق

استقبال رمضان: إخلاص النية وعلو الهمة

المقال التالي

فضيلة إحياء النفوس: نظرة في أهمية جبر الخواطر

مقالات مشابهة