دراسة حول حديث (من تواضع لله رفعه)

تحليل وتفسير حديث (من تواضع لله رفعه) مع ذكر رواياته المختلفة ومصادرها في كتب الحديث. استعراض لأهم الكتب التي ذكرت الحديث وشرح معانيه القيّمة.

مقدمة

إنّ حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-:(من تواضع لله رفعه) لهو من الأحاديث الجامعة التي تحث على التخلّق بأخلاق فاضلة، وتبيّن أثر التواضع في الارتقاء بالعبد في الدنيا والآخرة. هذا الحديث الشريف ورد بأكثر من صيغة، وكلّها تدور حول المعنى نفسه، وهو أنّ من تواضع لله خفض جناحه لعباده، فإن الله يرفعه ويكرمه.

الرواية الأولى وتخريجها

وردت الرواية الأولى بالصيغة التالية، وهي من جوامع الكلم النبوي:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ ‌اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلَاّ عِزّاً، وَمَا ‌تَوَاضَعَ أُحُدٌ إِلَاّ ‌رَفَعَهُ ‌اللهُ).

هذا الحديث له شواهد كثيرة في كتب السنة، وقد رواه العديد من أصحاب الحديث، ممّا يدلّ على أهميته وعظيم نفعه. ومن أبرز الكتب التي أخرجت هذا الحديث:

  • مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو ‌والتواضع، ورقم الحديث (2588).
  • مالك في الموطأ: من رواية أبي مصعب الزهري، باب التعفف عن المسألة، كتاب الجامع، برقم (2112).
  • أحمد في المسند: مسند أبي هريرة، برقم (9008).
  • الدارمي في المسند: من كتاب الزكاة، ‌‌باب في فضل الصدقة، برقم (1718).
  • الترمذي في السنن: أبواب البرّ والصلة، ‌‌باب ما جاء في التواضع، برقم (2029).
  • أبو يعلى في المسند: ‌‌مسند أبي هريرة -رضي الله عنه- ‌‌شهر بن حوشب عن أبي هريرة، برقم (6458).
  • ابن خزيمة: ‌‌كتاب الزكاة المختصر من المختصر من المسند على الشريطة التي ذكرتها في أول الكتاب، باب ذكر نماء المال بالصدقة منه، وإعطاء الرب -عز وجل- المتصدق، برقم (2438).
  • أبو عوانة في المستخرج: مبتدأ كتاب صلة الأرحام والترغيب فيها وفي التودد والتآلف، والتعاون، ونصرة الأخ أخاه، وزيارته، وعيادته، باب: التشديد فيمن يبدأ بسب المسلم، والإباحة للمسبوب أن يقتص، ولا يتعدى، والدليل على أن إثم ذلك على البادي بالسب ما لم يتعد المسبوب، وبيان ثواب من احتمل ذلك وعفا وتواضع، برقم (11319).
  • ابن حبان: كتاب الزكاة، باب فضل الزكاة، ‌‌ذكر نفي النقص عن المال بالصدقة مع إثبات نمائه بها، برقم (3248).
  • الطبراني في المعجم الأوسط: باب الميم، من اسمه: محمد، برقم (5092).
  • البيهقي في السنن الكبرى: ‌‌‌‌جماع أبواب صدقة التطوع، باب كراهية البخل والشح، والإقتار، برقم (7817).

الرواية الثانية ومصادرها

تعتبر هذه الرواية متممة للرواية الأولى، وتؤكد على نفس المعنى، مع إضافة تفصيل مهم حول العفو:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(مَا ‌نَقَصَتْ ‌صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَلَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ إِلَّا زَادَهُ ‌اللهُ بِهَا عِزًّا، وَلَا ‌تَوَاضَعَ عَبْدٌ ‌للهِ إِلَا ‌رَفَعَهُ ‌اللهُ).

وقد ورد هذا الحديث في العديد من المصادر، منها:

  • أحمد في المسند:‌‌ مسند أبي هريرة -رضي الله عنه-، رقم الحديث (7206).
  • البزار، مسند البزار (البحر الزخار): ‌‌مسند أبي حمزة أنس بن مالك، برقم (8310).

وهاتان الروايتان صحيحتان، وذلك لورود الحديث في صحيح مسلم، مما يغني عن تتبع صحته في المصادر الأخرى.

الرواية الثالثة القدسية

تأتي الرواية الثالثة بصيغة الحديث القدسي، الذي يرويه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه عز وجل، مما يزيد من أهمية الحديث وقيمته:

(يَقُولُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: مَنْ ‌تَوَاضَعَ لِي هَكَذَا – وَجَعَلَ يَزِيدُ بَاطِنَ ‌كَفِّهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَأَدْنَاهَا إِلَى الْأَرْضِ – ‌رَفَعْتُهُ هَكَذَا – وَجَعَلَ بَاطِنَ ‌كَفِّهِ إِلَى السَّمَاءِ، ‌وَرَفَعَهَا نَحْوَ السَّمَاءِ).

وقد ورد هذا الحديث القدسي في الكتب التالية:

  • أحمد، في المسند، ‌‌مسند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، رقم الحديث (309).
  • ابن ماجه، أبواب الزهد، باب: البراءة من الكبر والتواضع، برقم (4176).
  • أبو يعلى، في المسند، مسند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، برقم (187).
  • الطبراني في المعجم الصغير، باب العين، ‌‌من اسمه عبد الله، برقم (645).

وقد صحح العلماء هذه الرواية، وأكدوا على ثبوتها، ومن هؤلاء العلماء:

  • البوصيري: “هذا إسناد صحيح”.
  • الهيثمي: “ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني سعيد بن سلام العطار وهو كذاب”.
  • الفيومي: “رواه أحمد، والبزار، ورواتهما محتج بهم في الصحيح”.

خلاصة واستنتاجات

يتضح من خلال استعراض الروايات المختلفة لحديث (من تواضع لله رفعه) أهمية التواضع في الإسلام، وأثره العظيم في حياة الفرد والمجتمع. فالتواضع ليس مجرد خُلق حسن، بل هو سبب لرفعة العبد في الدنيا والآخرة، وهو علامة على الإخلاص لله تعالى. والحديث يحث المسلم على التخلّق بهذا الخلق الكريم، والبعد عن الكبر والتعالي، ليكون من الفائزين برضا الله وجنته.

Total
0
Shares
المقال السابق

تحليل حديث: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به”

المقال التالي

استعراض وتفسير حديث: من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال

مقالات مشابهة