تدبر في قوله تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله)

استكشاف معاني آية (ولا تيأسوا من روح الله) في سورة يوسف. تفسير المفردات وسياق نزول الآية، بالإضافة إلى دلالاتها الإيمانية وأثرها على المسلم.

نص الآية الكريمة

ورد في سورة يوسف، على لسان النبي يعقوب -عليه السلام- وهو يخاطب أبناءه، قوله تعالى:

﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

سنستعرض فيما يلي تفسير هذه الآية الكريمة وأبعادها المختلفة.

توضيح معاني الكلمات

فيما يلي شرح لبعض الكلمات الواردة في الآية:

  • فتَحَسَّسُوا: المراد هو البحث الدقيق عن الأخبار والمعلومات، والتقصي عن الأحوال.
  • تَيْأَسُوا: أي لا تفقدوا الأمل، ولا تقنطوا.
  • رَوْحِ اللّهِ: تعني رحمة الله وفرجه ولطفه.

خلفية نزول الآية

بعد أن أوضح يعقوب -عليه السلام- لأبنائه أنه يلجأ إلى الله وحده في شكواه وحزنه على فراق يوسف وأخيه، وأنه يعلم من رحمة الله ما لا يعلمون، أمرهم بالذهاب للبحث عنهما. هذا الأمر منه يدل على يقينه ببقائهما على قيد الحياة وأنه سيجتمع بهما مرة أخرى. وحثّهم على عدم اليأس من رحمة الله ولطفه في العثور عليهما، لأن الله قادر على كل شيء، وهو اللطيف بعباده، واسع الرحمة والكرم. فاليأس والقنوط من رحمة الله لا يليق إلا بمن كفر بنعم الله وجحد فضله.

شرح وتفسير الآية

توضح الآية الكريمة أن يعقوب -عليه السلام-، عندما أحس بقرب لقاء يوسف وأخيه، طلب من أبنائه بأسلوب الأب المشفق أن يسافروا إلى مصر للبحث عن أخبارهما، بعد أن فقدوا بنيامين هناك سابقًا. وأمرهم بالتحسس، أي استخدام كل الوسائل المتاحة للوصول إلى أي معلومة عن إخوتهم. التحسس هنا يدل على طلب الخير، بعكس التجسس الذي يدل على البحث عن الشر. وقد دعا يعقوب أبناءه إلى عدم التشبه بالكافرين الجاهلين الذين ينكرون رحمة الله وفضله وقدرته، والذين ييأسون من فرجه وتيسيره، بل عليهم أن يظلوا متفائلين بلقاء إخوتهم وعودتهم إليهم، لأن الله رؤوف رحيم، يغير الأحوال ويجمع الشمل بعد طول الفراق.

ينبغي على المؤمن ألا يفقد الأمل في رحمة ربه مهما اشتدت الصعاب والأزمات. والقنوط أشد من اليأس؛ لأن اليأس هو انقطاع الأمل في الفرج، أما القنوط فهو الإصرار على استحالة حدوث الفرج. وقد حذر العلماء والصالحون من اليأس والقنوط، واعتبروه من كبائر الذنوب، كما تدل الآية الكريمة التي بينت أن اليأس من رحمة الله صفة الكافرين. أما المؤمنون، فهم دائمًا يحسنون الظن بالله، ويرجون رحمته وكرمه.

اليأس له آثار سلبية عديدة، منها:

  • ضعف الإيمان وقلة اليقين بالله -تعالى-.
  • استحقاق سخط الله وغضبه.
  • التعب النفسي والجسدي دون فائدة.
  • خطر الانزلاق إلى الكفر وعدم الإيمان.

فعلى المسلم أن يتذكر دائمًا أن الله قادر على تغيير الأحوال، وأن رحمته وسعت كل شيء، فلا ييأس أبدًا مهما كانت الظروف.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 87.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

معنى وتأويل قوله تعالى: “ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن”

المقال التالي

إضاءات حول تفسير الآية الكريمة: (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)

مقالات مشابهة