استكشاف الصور البلاغية في لامية العجم
تعتبر لامية العجم للطغرائي من عيون الشعر العربي، وتمتاز ببلاغة فائقة وصور فنية معبرة. نستعرض هنا بعضًا من هذه الصور:
- “أصالةُ الرأي صانتْنِي”: تكمن هنا استعارة مكنية، حيث شبهت أصالة الرأي بالإنسان الذي يحمي ويصون، مع حذف المشبه به (الإنسان) والإبقاء على لازمة من لوازمه وهي “صانتني”.
- “حِليةُ الفضلِ زانتني”: في هذا البيت، نجد استعارة مكنية أخرى، حيث شبه الفضل والأخلاق الحميدة بالزينة التي تتجمل بها النساء، وحذف المشبه به (زينة النساء) وأبقى على لازمة من لوازمه وهي “زانتني”.
- “الشمسُ رأْدَ الضُّحَى كالشمسِ في الطَّفَلِ”: هنا تشبيه للشمس وقت الضحى بالشمس وقت الغروب. ذكرت أداة التشبيه (“ك”)، ولكن حذف وجه الشبه، مما يجعله تشبيهًا مُجمَلًا.
- “نَاءٍ عن الأهلِ كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَلَلِ”: يشبه الشاعر نفسه في حال البعد عن أهله بالسيف العاري. هذا تشبيه تمثيلي، لأن وجه الشبه منتزع من أمرين معًا: العراء والسيف المجرد.
- “الدهرُ يعكِسُ آمالِي”: استعارة مكنية، حيث صور الدهر وكأنه شخص يحاول إقناعه، وحذف المشبه به (الشخص) وأبقى على لازمة من لوازمه وهي “يعكس”.
- “ذِي شِطاطٍ كصدرِ الرُّمْحِ معتقل”: يشبه الشاعر الفارس المعتدل القامة بالرمح الذي يضعه الفارس بين ساقه وركابه. ذكرت أداة التشبيه (“ك”)، ولكن حذف وجه الشبه، وهو تشبيه مُجمَل.
- “الليلُ أغرَى سوامَ النومِ”: استعارة مكنية، حيث صور الليل وكأنه امرأة تغري، وحذف المشبه به (المرأة) وأبقى على لازمة من لوازمه وهي “أغرى”.
نص القصيدة: لامية العجم للطغرائي
هنا نستعرض نص القصيدة كاملاً:
أصالةُ الرأي صانتْنِي عن الخَطَلِ وحِليةُ الفضلِ زانتني لدَى العَطَلِ مجدي أخيراً ومجدِي أوّلاً شَرَعٌ والشمسُ رأْدَ الضُّحَى كالشمسِ في الطَّفَلِ فيمَ الإقامُة بالزوراءِ لا سَكَني بها ولا ناقتي فيها ولا جَملي نَاءٍ عن الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفردٌ كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَلَلِ فلا صديقَ إليه مشتكَى حزَنِي ولا أنيسَ إليه منتَهى جذلي طالَ اغترابيَ حتى حنَّ راحلتي ورحلها وقرَى العَسَّالةِ الذُّبلِ وضَجَّ من لَغَبٍ نضوي وعجَّ لما يلقَى رِكابي ولجَّ الركبُ في عَذَلي أُريدُ بسطةَ كَفٍ أستعينُ بها على قضاءِ حُقوقٍ للعُلَى قِبَلي والدهرُ يعكِسُ آمالِي ويُقْنِعُني من الغنيمةِ بعد الكَدِّ بالقَفَلِ وذِي شِطاطٍ كصدرِ الرُّمْحِ معتقلٍ لمثلهِ غيرَ هيَّابٍ ولا وَكِلِ حلوُ الفُكاهِةِ مُرُّ الجِدِّ قد مُزِجتْ بقسوةِ البأسِ فيه رِقَّةُ الغَزَلِ طردتُ سرحَ الكرى عن وِرْدِ مُقْلتِه والليلُ أغرَى سوامَ النومِ بالمُقَلِ والركبُ مِيلٌ على الأكوارِ من طَرِبٍ صاحٍ وآخرَ من خمر الهوى ثَمِلِ فقلتُ أدعوكَ للجُلَّى لتنصُرَنِي وأنت تخذِلُني في الحادثِ الجَلَلِ تنام عيني وعينُ النجمِ ساهرةٌ وتستحيلُ وصِبغُ الليلِ لم يَحُلِ فهل تُعِيُن على غَيٍّ هممتُ بهِ والغيُّ يزجُرُ أحياناً عن الفَشَلِ إني أُريدُ طروقَ الحَيِّ من إِضَمٍ وقد رَماهُ رُماةٌ من بني ثُعَلِي حمونَ بالبِيض والسُّمْرِ اللدانِ بهمْسودَ الغدائرِ حُمْرَ الحَلْي والحُلَلِ فسِرْ بنا في ذِمامِ الليلِ مُهتدياً بنفحةِ الطِيب تَهدِينَا إِلى الحِلَلِ فالحبُّ حيثُ العِدَى والأُسدُ رابضَةٌ نِصالُها بمياه الغَنْجِ والكَحَلِ قد زادَ طيبَ أحاديثِ الكرامِ بها ما بالكرائمِ من جُبنٍ ومن بُخُلِ تبيتُ نارُ الهَوى منهنَّ في كَبِدٍ حرَّى ونار القِرى منهم على القُلَلِ يقتُلنَ أنضاءَ حبٍّ لا حَراكَ بها وينحرونَ كرامَ الخيلِ والإِبِلِ يُشفَى لديغُ الغوانِي في بُيوتهِمُ بنهلةٍ من لذيذِ الخَمْرِ والعَسَلِ لعلَّ إِلمامةً بالجِزعِ ثانيةً يدِبُّ فيها نسيمُ البُرْءِ في عللِ لا أكرهُ الطعنةَ النجلاءَ قد شُفِعَتْ برشقةٍ من نِبالِ الأعيُنِ النُّجُلِ ولا أهابُ صِفاح البِيض تُسعِدُني باللمحِ من صفحاتِ البِيضِ في الكِلَلِ ولا أخِلُّ بغِزلان أغازِلُها ولو دهتني أسودُ الغِيل بالغيَلِ حبُّ السلامةِ يُثْني همَّ صاحِبه عن المعالي ويُغرِي المرءَ بالكَسلِ فإن جنحتَ إليه فاتَّخِذْ نَفَقاً في الأرضِ أو سلَّماً في الجوِّ فاعتزلِ
المضامين الأساسية في لامية العجم
تتناول القصيدة مجموعة من الأفكار والموضوعات الهامة، منها:
- سلامة الرأي تحمي الإنسان من الزلل والخطأ.
- الأخلاق الحميدة والفضائل تزين صاحبها.
- اعتزاز الشاعر بمجده وإرثه في جميع الظروف.
- تساؤل الشاعر عن جدوى الإقامة في مكان لا يملك فيه مقومات الحياة.
- وصف دقيق لحال الشاعر في الغربة والبعد عن الأهل والوطن.
- إبراز الوحدة والعزلة وغياب الصديق الذي يشاركه الأفراح والأحزان.
- تصوير خذلان الدهر وتقلباته، وإقناع الشاعر بالعودة خالي الوفاض بعد العناء.
- وصف الصديق الشجاع والمقدام الذي لا يخشى الصعاب.
- التحذير من حب السلامة المفرط الذي يثني الهمم ويقعد بالإنسان عن المعالي.
المصادر والمراجع
تم الاستعانة بالمصادر التالية في إعداد هذا التحليل:
- لمياء حيدر طلب، شعر الطغرائي دراسة تحليلية، صفحة 118-121.
- “أصالة الرأي صانتني ( لامية العجم )”، الديوان.