الليث بن سعد: سيرة إمام وعالم

استكشف حياة الليث بن سعد، الإمام الفقيه وعالم الحديث المصري. تعرف على نسبه، نشأته، طلبه للعلم، وأهم مساهماته الفقهية والعلمية.

مقدمة موجزة

الليث بن سعد، قامة شامخة في سماء الفقه والحديث، شخصية محورية في تاريخ الإسلام بمصر. ترك بصمة واضحة في الفقه الإسلامي، وكان مرجعًا لأهل عصره في المسائل الشرعية. اشتهر بغزارة علمه، وورعه، وكرمه، وحسن خلقه. كان له دور كبير في نشر العلم والمعرفة، والإحسان إلى الناس. هذه المقالة تسلط الضوء على جوانب مختلفة من حياته، بدءًا من نسبه ونشأته، وصولًا إلى إسهاماته العلمية ومؤلفاته.

أصله ونسبه الشريف

هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن بن عقبة الفهمي، أبو الحارث. يعتبر الإمام الفقيه، الحافظ، الحجة، وشيخ الإسلام في مصر. ولد في دلتا مصر، وتحديدًا في قرية قلقشندة، في سنة (94هـ/713م). نسبه يعود إلى آل مسافر بن خالد الفهمي من قبيلة القيسية المضرية.

تذكر بعض المصادر التاريخية أن أصول الليث تعود إلى فارس، حيث استقرت أسرته في مصر قبل ولادته بعدة عقود. تشير السجلات المصرية إلى أنه كان من موالي بني كنانة من فهم. وقد نقل عن أهل بيته قولهم بأنهم من الفرس من أهل أصبهان، وهذا ما ذكره الذهبي. ويؤكد ابن خلكان في تاريخه على أن الليث بن سعد أصبهاني الأصل. صاحب كتاب النجوم الزاهرة يذكر ارتباطه ببني فهم، مشيرًا إلى أن قلقشندة هي مسقط رأسه، وأنه كان مولى لبني فهم ثم مولى لآل خالد.

توفي الإمام الليث بن سعد -رحمه الله- في يوم جمعة من شهر شعبان سنة (175 هـ/ 791 م)، عن عمر يناهز الواحد والثمانين عامًا. وقد روي عن خالد الصدفي قوله في جنازته: “شهدت جنازة الليث بن سعد مع والدي، فما رأيت جنازة قط أعظم منها، ورأيت الناس كلهم عليهم الحزن، فقلت: يا أبتِ، كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة، فقال: يا بني، لا ترى مثله أبداً.”

تكوينه العلمي ونشأته

نشأ الليث في قلقشندة، وهي قرية معروفة بخصوبتها ووفرة فواكهها وسهولة العيش فيها. هذه البيئة أثرت في شخصيته، فأكسبته لين الجانب، ورقة النفس، ورضا الخلق. أصبح ملاذًا لذوي الحاجة، حيث كان يشتري الأراضي من بيت المال وينفقها في أعمال الخير.

منذ صغره، عُرف الليث بتدينه وورعه. يروي جميل بن يزيد: “أدركت الناس أيام هشام وكان الليث بن سعد حدث السنِّ، وكان بمصر عبيد الله بن جعفر، وجعفر بن ربيعة، وحارث بن يزيد، وغيرهم من أهل مصر ومن قدم علينا من فقهاء المدينة وإنهم ليعرفون لليث فضله، وورعه، وحسن إسلامه، على حداثة سنه.”

كان يمتلك ثروة كبيرة، سخّرها للعلم ومساعدة الناس. كان مثالًا للزهد، حيث كان يكتفي بالخبز طعامًا، ويتصدق بالنفيس على الفقراء وعامة الناس. أصبح من أبرز فقهاء عصره، حتى أن علمه وفقهه فاق الإمام مالك بن أنس، حيث قال الشافعي: “الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به.”

من الأمور التي اشتهر بها الإمام الليث بن سعد:

  • كان يتمتع بثروة طائلة من الأراضي التي يمتلكها، وكان يكرم الناس في الشتاء بالهرائس الممزوجة بعسل النحل وسمن البقر، وفي الصيف كان يقدم لهم اللوز بالسكر، بينما كان هو يقتصر على الخبز والزيت.
  • قيل عنه إنه لم تجب عليه الزكاة قط لكثرة كرمه وإنفاقه، حيث كان يتصدق وينفق قبل نهاية الحول.
  • اتصف بالزهد، والورع، والتواضع، والكرم، والحكمة، وصفاء النفس، والخلق الكريم.
  • أثنى عليه العلماء لحفظه للحديث وضبطه، وعلوه في الإسناد وتفرده.
  • كانت تربطه علاقة وثيقة بالخلافة، وكان يحظى بتقدير وتكريم الولاة.
  • كان له أصول فقهية وضوابط واضحة ولم يكن صاحب مذهب شاذ، بل كان متبعًا للدليل، كما هو شأن الأئمة الآخرين.
  • كان في بداية أمره على مذهب الإمام مالك، ثم اختار لنفسه مذهبًا خاصًا، وكانت تربطه بالإمام مالك علاقة قوية، حيث كان يراسله ويسأله، وقد أرسل إليه رسالة يوضح فيها أصول مذهبه وضوابطه.
  • يعود السبب الرئيسي في عدم انتشار مذهب الليث إلى عدم اهتمام أصحابه بنشره وتدوينه.
  • كان يمنح العلماء رواتب شهرية، منها مائة دينار للإمام مالك كل سنة.
  • تتلمذ على علماء بلده، ثم سافر إلى الحجاز والشام، واكتسب العلم من علمائهما، كما سافر إلى العراق وأخذ العلم من علمائه.
  • كان له أربعة مجالس يوميًا: مجلس لنائب السلطان، ومجلس لأصحاب الحديث، ومجلس للمسائل، ومجلس للحوائج.

إسهاماته العلمية ومؤلفاته

لم يترك الإمام الليث مؤلفات كثيرة بالرغم من مكانته العلمية الرفيعة وما ذكر عن منهجه الفقهي المتميز. ومع ذلك، هناك بعض العناوين التي تُنسب إليه أو نُقلت عنه، ومنها:

  • كتاب التاريخ، ويتناول فيه فتح مصر، وفتح إفريقيا وغيرها.
  • كتاب المسائل في الفقه، ويتضمن آراءه في تفسير بعض آيات الأحكام.
  • جزء فيه مجلس من فوائد الليث بن سعد.
  • عشرة أحاديث من الجزء المنتقى الأول والثاني من حديث الليث.

المصادر والمراجع

  • خير الدين الزركلي، الأعلام للزركلي، صفحة 248.
  • سعود بن فرحان الحبلاني، الإمام الليث بن سعد ومنهجه الفقهي، صفحة 48.
  • أحمد محمود أبو حسوبه، فقدان الجهود العلمية والحديثية لإمام الديار المصرية الليث بن سعد، صفحة 5.
  • فاطمة مُحمَّد منصور (2021)، “رسائل الإمامين؛ الليث بن سعد ومالك بن أنس دراسة في القضايا والمنهج“، اللغويات والثقافات المقارنة، العدد 2، المجلد 13، صفحة 1424.
  • الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ج14، صفحة 524.
  • عباس إبراهيم محمود، القواعد الأصولية التي اعتمدها الليث بن سعد في رسالته للإمام مالك، صفحة 11.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نظرة في أعماق “الليالي البيضاء” لدوستويفسكي

المقال التالي

الليث بن سعد: عالم مصر وإمامها

مقالات مشابهة