المنظور الشرعي للتبني في الإسلام
التبني هو أن ينسب شخص طفلاً ليس من صلبه إليه، فيعطيه اسمه ويدخله في نسبه. لقد كان التبني شائعًا في الجاهلية، حيث كان الرجل يعامل الطفل المتبنى كابن حقيقي له، يحمل اسمه ويرث منه. ولكن الإسلام جاء ليحرم هذا الفعل وينسب كل فرد إلى أبيه الحقيقي، وذلك حفاظًا على الحقوق والأنسا.
وقد أنزل الله تعالى قوله:
(وَمَا جَعَل أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ).[الأحزاب: 4]
وهذا النص القرآني يوضح أن التبني لا يغير من حقيقة النسب، وأن الطفل المتبنى لا يصبح ابنًا حقيقيًا للشخص الذي تبناه.
الحكمة من تحريم التبني في الإسلام
لقد حرم الله تعالى التبني لأسباب عديدة، منها:
- إخفاء النسب الحقيقي: فالتبني يؤدي إلى نسبة الشخص إلى غير أبيه الحقيقي، وهذا يخالف الفطرة السليمة ويؤدي إلى ضياع الأنساب. النسب الصحيح يثبت بالولادة الشرعية أو بالزواج الصحيح.
- الآثار المترتبة على البنوة: البنوة تحمل معها حقوقًا وواجبات، مثل الميراث والنفقة والولاية. وفي التبني، يتم منح هذه الحقوق لشخص لا يستحقها، مما يلحق الظلم بالورثة الحقيقيين.
- المحرمات الشرعية: التبني قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب والمحارم، مما يفتح الباب أمام الفتنة والفساد. فعندما يخالط الشخص من ليست أختًا له أو قريبة شرعية كأنه شقيق، فإن ذلك يخلط الأمور المتعلقة بالزواج والمحرمات.
- طمس الحقيقة: التبني يحرم الطفل من معرفة أصله ونسبه الحقيقي، وهذا يمثل ظلمًا كبيرًا له.
وقد أمرنا الله تعالى بنسبة كل شخص إلى أبيه الحقيقي، فقال:
(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً).[الأحزاب: 5]
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيد بن حارثة، فكان الناس يدعونه “زيد بن محمد”. ولكن عندما نزل حكم تحريم التبني، نسب زيد إلى والده الحقيقي، وأصبح يُعرف بـ “زيد بن حارثة”.
تمييز التبني عن الكفالة في الشريعة
الفرق الجوهري بين التبني والكفالة يكمن في مسألة النسب. فالتبني يهدف إلى إلحاق الطفل بنسب غير نسبه الحقيقي، بينما الكفالة تعني رعاية الطفل والإنفاق عليه وتربيته دون تغيير نسبه. فالكفالة لا تترتب عليها أحكام البنوة من ميراث أو حرمة زواج.
فإذا قام شخص بكفالة طفل، فإنه يقوم بتربيته والإنفاق عليه، ولكن يظل الطفل منسوبًا إلى والده الحقيقي. وعند بلوغ الطفل سن الرشد، يجب الفصل بينه وبين الأبناء الآخرين في المضاجع، ويجب على المحارم (كالزوجة أو البنت الحقيقية) الاحتجاب عنه إذا كان الطفل المكفول ذكرًا. وإذا كانت المكفولة أنثى، فإنها تحتجب عن أبناء الكافل الذكور، إلا إذا حدثت الرضاعة من زوجة الكافل، فيأخذون حكم الرضاعة في الحرمة.
يجوز للشخص الذي يكفل يتيمًا أن يوصي له بجزء من ماله، على ألا يتجاوز الثلث، وذلك كبديل عن الميراث. ويجب على الكافل أن يخبر اليتيم بهويته الحقيقية وطبيعة العلاقة بينهما، وذلك لتجنب أي مشاكل أو مفاسد في المستقبل.
ويجب على جميع المسلمين أن يتعاونوا على رعاية الأيتام والأطفال المحتاجين، وحمايتهم من الفقر والضياع. فالمجتمع الإسلامي يقوم على التكافل والتراحم.
وقد حثنا الله تعالى على التعاون على الخير، فقال:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).[المائدة: 2]
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن لكافل اليتيم أجرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، فقال:
(أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين ، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطى).[صحيح الترمذي]
وهذا الحديث يدل على أن كافل اليتيم سيكون قريبًا من الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة، وذلك فضلًا من الله ورحمة.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- الموسوعة الفقهية الكويتية، دار السلاسل، الكويت.
- أيسر التفاسير لأسعد حومد.
- الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، دار القلم، سوريا.
- الفقه الميسر لعبد الله الطيار، مدار الوطن، السعودية.
- صحيح الترمذي.