أسرار نزول سورة البقرة: رحلة في آيات الوحي

فهرس المحتويات

مقدمة في سورة البقرة: رحلة في معاني الوحي

تُعدّ سورة البقرة من أهمّ السور في القرآن الكريم، لما تحويه من أحكامٍ وقصصٍ وعبرٍ، وتُعتبر أطول سور الكتاب العزيز. يُولي المسلمون اهتمامًا بالغًا بدراسة أسباب نزول القرآن الكريم، لما لذلك من أهمية في فهم النصوص القرآنيّة فهماً صحيحاً، ويسهل ذلك حفظ كتاب الله عز وجل.

مقام سورة البقرة: أطول سورة ومنبعٌ من الحكمة

سورة البقرة هي أطول سورة في القرآن الكريم، نزلت معظم آياتها بالمدينة المنورة، باستثناء الآية الكريمة: (واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله)[١]، التي نزلت في حجة الوداع وهي آية مكية. تتميز السورة بفضلها العظيم وثوابها الكثير، فهي تحتوي على أحكامٍ شرعيةٍ وآياتٍ للرقية، بالإضافة إلى تنظيم حياة المسلمين في العبادات والمعاملات، كالصلاة والزكاة والجهاد والحدود وغيرها.

تتناول السورة أحوال المنافقين والكفار، وتحتوي على آية الكرسي وأطول آية في القرآن الكريم، آية الدين، التي تُبيّن أحكام الدين في الإسلام. لقدرها وعظمتها، تُعرف سورة البقرة بـ “فُسطاط القرآن”.

فضل سورة البقرة: روائع من السنة النبوية الشريفة

وردت أحاديث نبوية شريفة تُشير إلى فضل قراءة سورة البقرة، منها:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة)[٣]. يُحثّ هذا الحديث على قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشياطين.

وقال صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه. اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتانِ، أو كأنهما غيايتانِ، أو كأنهما فرقانِ من طيرٍ صواف تُحاجّان عن أصحابهما. اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركةٌ، وتركها حسرةٌ، ولا يستطيعها البطلة. قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة)[٤]. يُبيّن هذا الحديث بركة قراءة سورة البقرة وحمايتها من السحر.

عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليالٍ ومن قرأها نهاراً لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام)[٥]. يُشير هذا الحديث إلى فعالية سورة البقرة في طرد الشيطان من البيت.

أسباب نزول آيات سورة البقرة: سياقاتٌ وتفسيرات

نزلت آيات سورة البقرة متفرقة، ولكل آية أو مجموعة آيات سبب نزولها الخاص. ومن هذه الأسباب:

(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)[٧]: نزلت هذه الآية رداً على اليهود الذين ادعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يناقض نفسه.

(ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم)[٨]: نزلت هذه الآية بعد غزوة أحد، رداً على اليهود الذين دعوا المسلمين إلى الرجوع إلى دينهم.

(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء)[٩]: نزلت هذه الآية خلال مناظرة بين وفد نجران (المسيحيين) وأحبار اليهود.

(ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيه اسمه)[١٠]: نزلت هذه الآية في مشركي مكة لمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد الحرام.

(وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم)[١١]: نزلت هذه الآية استجابة لسؤال كفار قريش عن وصف الله.

(يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)[١٢]: نزلت هذه الآية رداً على سؤال الصحابيين معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم عن تغير شكل الهلال.

(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)[١٣]: نزلت هذه الآية في سياق عام الحديبية.

(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)[١٤]: نزلت هذه الآية بسبب غزوة نخلة.

(إن الذين آمنوا والذين هاجروا)[١٦]: نزلت هذه الآية لتأكيد أجر المجاهدين.

(ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبكنّ)[١٧]: نزلت هذه الآية في قصة عبد الله بن رواحة وأمته.

(يسألونك عن المحاض قل هو أذى)[١٨]: نزلت هذه الآية رداً على عادة اليهود في معاملة النساء أثناء الحيض.

(نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)[١٩]: نزلت هذه الآية لنفي اعتقاد اليهود حول الحمل.

(ولا تجعلوا الله عُرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس)[٢٠]: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق.

(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف)[٢١]: نزلت هذه الآية في قصة معقل بن يسار.

(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة)[٢٢]: نزلت هذه الآية في قصة عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف.

(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيّموا الخبيث منه تنفقون)[٢٣]: نزلت هذه الآية بسبب رجل جاء بتمر رديء صدقة.

خاتمة: رحلة في بحر المعاني

تُظهر دراسة أسباب نزول آيات سورة البقرة عمقُ الحكمة الإلهية، ورحمة الله تعالى بخلقه، وتُبرز أهمية فهم سياق النزول لفهم المعاني القرآنية بشكلٍ دقيقٍ. إنّ هذه السورة منبعٌ من الحكمة والمعرفة، يُنيرُ سبيلَ المسلمينَ إلى الفهمِ الصحيحِ للدينِ الإسلامي.