خطبة جمعة موجزة ومؤثرة عن طلب المغفرة

خطبة جمعة موجزة ومؤثرة حول أهمية طلب المغفرة من الله، وكيفية الاستغفار وآثاره العظيمة في الدنيا والآخرة.

تمهيد للخطبة

إن الحمد لله، نستعين به ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. نحمد الله تعالى حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو الغفور الرحيم، الذي فتح باب التوبة لعباده، ووعد المستغفرين بالخير والبركة.

دعوة إلى تقوى الله

يا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، فهي وصية الله للأولين والآخرين. اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا بدينكم، واعملوا صالحًا، وتوبوا إلى الله توبة نصوحة. قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

تذكروا، يا إخوة الإيمان، أن المعاصي سبب لزوال النعم وحلول النقم. فبادروا بالتوبة والاستغفار، وأصلحوا ما أفسدتم، فإن التوبة تمحو الذنوب، والاستغفار يرفع البلاء. أقلعوا عن الذنوب والمعاصي، وحافظوا على طاعة الله ورسوله.

قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

القسم الأول من الخطبة

يا عباد الله، إن الله -عز وجل- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. فلا تيأسوا من رحمة الله، ولا تقنطوا من مغفرته، مهما عظمت ذنوبكم وكثرت معاصيكم. قال -تعالى-: (قالَ وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالّونَ).

إن للاستغفار مكانة عظيمة في ديننا الحنيف، فهو مفتاح الخيرات، ومزيل العقبات. به تُجلب النعم، وتُدفع النقم. فاستغفروا الله في كل وقت وحين، فإنه الغفور الرحيم.

أيها الإخوة الكرام، الإنسان ضعيف بطبعه، يواجه في حياته الكثير من المشاكل والابتلاءات. والعلاج الأمثل لهذه المصائب هو الاستغفار والدعاء. توجهوا إلى الله بقلوب خاشعة، واستعينوا بالصبر والصلاة. قال -تعالى-:(غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).

كثير من الناس يشكون من قلة الرزق وضيق العيش وتراكم الديون. ولكنهم يغفلون عن فضل الاستغفار. فالله -عز وجل- يمد المستغفرين بالأموال والبنين، ويجعل لهم جنات وأنهارًا. قال -تعالى-:(وَما كانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ).

تذكروا أن الذنوب والمعاصي سبب للهلاك والشقاء. ولهذا أمر الأنبياء أقوامهم بالاستغفار. نبي الله هود -عليه السلام- قال لقومه: (وَيا قَومِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمينَ). وكذلك سيدنا صالح -عليه السلام- قال لقومه: (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

حثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الاستغفار في كل وقت. قال -تعالى-:(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا). وحتى الذين أسرفوا على أنفسهم بالذنوب، بشرهم الله بالمغفرة والرحمة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

هناك ألفاظ كثيرة للاستغفار، منها: “رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم”، و”أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه”. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(يا أبن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي).

إن الله -سبحانه وتعالى- يغفر ذنوبنا إذا استغفرناه. قال -تعالى-:(وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. الاستغفار يعني طلب المغفرة من الله -سبحانه وتعالى- بِمحو الذنوب، وستر العيوب.

إن سيد الاستغفار له فضل عظيم، فقد ورد في حديث شداد بن أوس -رضي الله عنهُ- أنّه قال: قال -صلى الله عليه وسلم-:(سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة).

فضائل الاستغفار الأخرى تشمل:

  • مغفرة الله -تعالى- للمستغفرين، يقول -تعالى-:(وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
  • الاستغفار يدل على قوة الإيمان، قال -تعالى-:(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ).
  • الاستغفار سببٌ لرفع العذاب وجلب الرحمة، لقوله -تعالى-:(وَما كانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ).
  • الاستغفار بعد الذنب سبب في صلاح القلب.
  • الاستغفار سبب من أسباب النصر على الأعداء.
  • الاستغفار خير علاج لكيد وساوس الشيطان.
  • الوالد ينتفع باستغفار ولدهِ له حتى بعد وفاته.

فمن أراد راحة البال، وانشراح الصدر، وسكينة النفس، ودفع الكوارث والسلامة من الحوادث، فليكثر من الاستغفار. يقول -عليه الصلاة والسلام-: (طُوبي لمن وجِد في صحيفتهِ استغفارًا كثيرا).

القسم الثاني من الخطبة

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخواني، لقد أمرنا الله بالتوبة والاستغفار، ووصف نفسه بالغفار وغافر الذنب. وهذا يدل على أهمية الاستغفار وحاجتنا إليه. للاستغفار فوائد عظيمة، منها تكفير السيئات، وتفريج الهموم، وجلب الأرزاق، ونزول الغيث.

يا أيها الناس، إذا تراكمت الهموم واشتدت المحن، فعلينا بالاستغفار والتوبة. فإنهما العلاج لكل داء. قال -تعالى-:(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).

إليكم بعض القصص التي تدل على فضل الاستغفار:

  • قال الأوزعي: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “(لَيسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى المَرضى وَلا عَلَى الَّذينَ لا يَجِدونَ ما يُنفِقونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحوا لِلَّـهِ وَرَسولِهِ ما عَلَى المُحسِنينَ مِن سَبيلٍ وَاللَّـهُ غَفورٌ رَحيمٌ)، وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللهم أغفر لنا خطايانا وارحمنا واسقنا!”، فرفع يديه ورفعوا أيديهم، فسُقوا الغيث.
  • قال ابن صبيح: شكا رجلٌ إلى الحسن الجدوبة، فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادعُ الله أنّ يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، فقلنا لهُ في ذلك، فقال: ما قلت من عندي شيء، إنّ الله -تعالى- يقول في سورة نوح:(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا).

الدعاء

اللهم يا غافر الذنب وقابل التوب، اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا. اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصادر

  1. سورة المائدة، آية:35
  2. سورة الأحزاب، آية:70 71
  3. سورة الحجر، آية:56
  4. سورة غافر، آية:3
  5. سورة الأنفال، آية:33
  6. سورة هود، آية:52
  7. سورة النمل، آية:46
  8. سورة النصر، آية:3
  9. سورة الزمر، آية:53
  10. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:127، حسن.
  11. سورة البقرة، آية:199
  12. رواه البخاري، في صحيح بخاري، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم:6306، صحيح.
  13. سورة النساء، آية:110
  14. سورة الفتح، آية:11
  15. سورة الانفال، آية:33
  16. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبدالله بن يسر، الصفحة أو الرقم:5292.
  17. سورة التوبة، آية:91
  18. سورة نوح، آية:10-12
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

موعظة جمعة وجيزة ومؤثرة

المقال التالي

خطبة جمعة موجزة حول أهمية التقوى

مقالات مشابهة