فهرس المحتويات
مقدمة حول مدرسة الإحياء
تعتبر مدرسة الإحياء، أو مدرسة البعث، حركة شعرية رائدة ظهرت على يد الشاعر المصري محمود سامي البارودي ورفاقه. وقد نشأت هذه المدرسة بهدف رئيسي هو إحياء الشعر العربي وإعادة الحياة إليه بعد فترة طويلة اتسمت بالركود والتدهور. وقد أطلق عليها اسم “البعث” لأنها عملت على إعادة الروح للشعر بعد فترة من الخمول.
سعى شعراء هذه المدرسة إلى تجديد أساليب الصياغة الشعرية، مع الاقتداء بالشعراء الكبار في بناء القصيدة ومعانيها. لقد حافظوا على شكل القصيدة التقليدي، بما في ذلك الأوزان والقوافي، واهتموا بقوة البناء اللغوي والمعنوي. كما حرصوا على الحفاظ على الصور الشعرية العربية القديمة، والالتزام بسلامة اللغة، واستخدام مختلف أساليب البلاغة. وفيما يلي أبرز السمات التي تميز هذه المدرسة.
أبرز الخصائص
تتميز مدرسة الإحياء بعدة خصائص رئيسية، منها:
القدوة في الشعر العربي العتيق
تعتبر العودة إلى الشعر العربي القديم، خاصة شعر العصر العباسي، الأساس الذي قامت عليه مدرسة الإحياء. يرى شعراء هذه المدرسة أن الشعر العباسي يمثل قمة الشعر العربي، ولذلك سعوا إلى كتابة قصائد تحاكي قصائد تلك الفترة، سواء من خلال معارضتها أو من خلال استلهام تجارب الشعراء القدماء وفروسيتهم.
لقد التزم شعراء هذه المدرسة بعمود الشعر كما فعل القدماء، ولكن هذا الالتزام بالمحاكاة أدى إلى محدودية في الإضافة الشعرية لشعراء هذا التيار، لأن المحاكاة تعني الاتباع وليس الإبداع.
لذلك، يغلب على القصيدة الإحيائية محاولة تقليد القصيدة القديمة في نمط التعبير، سواء كان ذلك في الغزل أو الوقوف على الأطلال أو غير ذلك. ويتفق معظم الباحثين في مدرسة الإحياء على أن أحمد شوقي هو رائد شعراء الإحياء في المعارضات الشعرية.
ومن قصائده التي عارض فيها الشعراء القدامى سينيّته التي عارض فيها سينيّة البحتري:
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي
اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ
صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
عَصَفَت كَالصِبا اللَعوبِ وَمَرَّت
سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ
وَعَظَ البُحتُرِيَّ إيوانُ كِسرى
وَشَفَتني القُصورُ مِن عَبدِ شَمسِ
رُبَّ لَيلٍ سَرَيتُ وَالبَرقُ طِرفي
وَبِساطٍ طَوَيتُ وَالريحُ عَنَسي
العناية بالجانب البلاغي
عانى الشعر العربي من الإفراط في استخدام الألفاظ والزخرفة اللغوية قبل ظهور مدرسة الإحياء. كان معيار الجمال الشعري في ذلك الوقت هو الإكثار من أنواع البديع في القصيدة الواحدة، وكان الشاعر يتباهى بقدرته على إدخال مئة نوع من البديع في قصيدته الطويلة. ولكن مع ظهور مدرسة الإحياء، تغير الوضع.
أصبح اهتمام الشعراء منصباً على كتابة قصائد تعيد للشعر رونقه القديم، فابتعدوا عن الشعر الذي يركز على الجانب البديعي واهتموا باستلهام الصور الشعرية البلاغية كما كانت في شعر القدماء، وذلك من خلال المعارضة والمحاكاة.
على سبيل المثال، عندما كتب أحمد شوقي قصيدته “نهج البردة”، تمكن من تقديم صور شعرية بلاغية ربما تفوق فيها على البوصيري نفسه:
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرُ
لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ
وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ
يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَدًا
أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن
يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللَهِ يَغتَنِمِ
فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ
ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلًا أُعَزُّ بِهِ:
في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُحَمِ
التجاوب مع المستجدات السياسية والاجتماعية
كان العرب يقولون: “الشعر ديوان العرب”، ويعنون بذلك أن أحداث العرب ووقائعهم والمستجدات في مجتمعاتهم في ذلك الوقت كانت مسجلة في قصائد الشعراء بطريقة فريدة. وهذا القول ينطبق على شعر مدرسة الإحياء.
واكب شعراء الإحياء عصرهم واستجابوا للأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدها العالم العربي، حتى أصبح شعرهم مرآة حية لهذا العصر. لقد واكبوا الثورات التي كانت تشهدها المنطقة العربية، وصوروا تفكك الإمبراطورية العثمانية ونضال الشعوب من أجل الاستقلال والحرية.
بالإضافة إلى ذلك، صوروا الصدام الكبير بين القيم الإسلامية السائدة في ذلك الوقت وبين القيم التي استوردها الناس من الغرب بعد الاحتكاك الذي حدث بينهم، وتناولوا قضايا المرأة ومعاناتها في ذلك الوقت، ووصفوا الفقر والجهل والمرض الذي كانت تعاني منه معظم الشعوب.
من هذا الشعر ما قاله معروف الرصافي في قصيدته “نهضة الشرق” يصف حال الشرق العربي والآسيوي في بداية نهوضه في مطلع القرن العشرين:
أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة
نهوضيّةٌ فيها طموح إلى المجد
ففي مصر شيدت للعلوم معاهد
على أسس التحليل والبحث والنقد
فلم تتّخذ غير التجارب منهجًا
لتحقيقها من جوهر العلم ما يجدي
وفي الأفق التركيّ سارت إلى العلا
جيوش بأعلام التجدّد تستهدى
وفي الهند قامت للتحرّر ثورة
سياسية عزلاء قائدها “غندي”
وفارس حلّت عقدة من جمودها
وحنّت بمسعاها إلى سالف العهد
التأثر بالتوجهات الفنية العالمية
لم يكتف شعراء الإحياء بإعادة القصيدة العربية إلى شكلها القديم، بل تمكنوا من التجديد في الشعر العربي من خلال اطلاعهم على الأدب الغربي وأشكاله، والفنون التي برع فيها أدباؤهم. فأدخلوا إلى الشعر العربي ظاهرة المسرح الشعري من خلال مسرحيات أحمد شوقي مثل: “مصرع كليوباترا” و”مجنون ليلى” وغيرها.
كما أدخل أحمد شوقي شعر الطفولة إلى الأدب العربي بعد أن رأى ذلك في أشعار الشعراء الأوروبيين. ورغم أنه لم يكن أول من أدخل مفهوم أدب الطفل إلى الأدب العربي، إلا أنه أدخل شعر الأطفال بمفهومه الناضج الذي لا يزال الشعراء يكتبون به إلى اليوم.
ومن ذلك قوله:
يَمامَةٌ كانَت بِأَعلى الشَجَرَه
آمِنَةً في عُشِّها مُستَتِرَه
فَأَقبَلَ الصَيّادُ ذاتَ يَومِ
وَحامَ حَولَ الرَوضِ أَيَّ حَومِ
فَلَم يَجِد لِلطَيرِ فيهِ ظِلًّا
وَهَمَّ بِالرَحيلِ حينَ مَلّا
فَبَرَزَت مِن عُشِّها الحَمقاءُ
وَالحُمقُ داءٌ ما لَهُ دَواءُ
تَقولُ جَهلًا بِالَّذي سَيَحدُثُ
يا أَيُّها الإِنسانُ عَمَّ تَبحَثُ
فَاِلتَفَتَ الصَيادُ صَوبَ الصَوتِ
وَنَحوَهُ سَدَّدَ سَهمَ المَوتِ
فَسَقَطَت مِن عَرشِها المَكينِ
وَوَقَعَت في قَبضَةِ السِكّينِ
تَقولُ قَولَ عارِفٍ مُحَقِّقِ
مَلَكتُ نَفسي لَو مَلَكتُ مَنطِقي
المراجع
- أبمسعد بن عيد العطوي،الأدب العربي الحديث، صفحة 67. بتصرّف.
- أبتثمجموعة من المؤلفين،من شعراء الإحياء أحمد شوقي معروف الرصافي محمد الشاذلي خزنه دار، صفحة 15 – 20. بتصرّف.
- “اختلاف النهار والليل ينسي”،الديوان
- أبتمسعد بن عيد العطوي،الأدب العربي الحديث، صفحة 78 – 81. بتصرّف.
- “ريم على القاع بين البان و العلم”،الديوان
- أبتثمجموعة من المؤلفين،الأدب العربي الحديث، صفحة 88 – 101. بتصرّف.
- “أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة”،الديوان
- أبفطيمة الزهرة سلماني،شعر الأطفال في قصائد أحمد شوقي، صفحة 6 – 20. بتصرّف.
- “يمامة كانت بأعلى الشجره”،الديوان