مقدمة
شهر رمضان المبارك هو شهر الصيام والقيام، وهو ركن من أركان الإسلام. وقد فرض الله تعالى الصيام على المسلمين، وجعل له أحكاماً وآداباً. ومن هذه الأحكام ما يتعلق بكفارة إفطار رمضان، وهي عبادة مالية أو بدنية شرعت لجبر النقص الحاصل في الصيام بسبب الإفطار العمدي أو غير العمدي. في هذا المقال، سنتناول مفهوم الكفارة، وأسباب وجوبها، وأنواعها، وحكم إخراجها عن الغير، معتمدين على آراء العلماء وأحكام الشريعة الإسلامية.
توضيح معنى الكفارة
الكفارة لغةً مشتقة من الفعل “كَفَرَ”، بمعنى الستر والتغطية. وسميت الكفارة بهذا الاسم لأنها تستر وتغطي الذنوب والمعاصي التي ارتكبها المسلم. أما في الاصطلاح الشرعي، فالكفارة هي عبادة شرعها الله تعالى لمحو أثر الذنب، وتكون بالصوم أو الصدقة أو غيرها من الأعمال الصالحة.
بمعنى آخر، هي وسيلة شرعية للتوبة والاستغفار عن الذنوب التي قد يرتكبها المسلم، وتعتبر من رحمة الله بعباده، حيث أتاح لهم فرصة لتطهير أنفسهم والعودة إلى طريق الحق.
أسباب وجوب كفارة إفطار رمضان
تجب كفارة إفطار رمضان على كل من أفطر في نهار رمضان متعمداً دون عذر شرعي. وهذا يشمل من تعمد الأكل أو الشرب أو الجماع أو غير ذلك من المفطرات. أما من أفطر ناسياً أو مكرهاً أو لعذر شرعي كالسفر أو المرض، فلا تجب عليه الكفارة، بل يجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها فقط. كما لا تجب الكفارة على الحائض والنفساء والمجنون.
إذن، الشرط الأساسي لوجوب الكفارة هو تعمد الإفطار وانتهاك حرمة شهر رمضان دون وجود عذر مقبول شرعاً.
أنواع كفارة إفطار رمضان
كفارة إفطار رمضان لها ثلاثة أنواع، وهي مرتبة على النحو التالي، ولا يجوز الانتقال إلى النوع التالي إلا عند العجز عن النوع السابق:
- تحرير رقبة: وهي عتق عبد مملوك. وقد اشترط جمهور العلماء أن يكون العبد مسلماً، بينما أجاز الحنفية أن يكون غير مسلم.
- صيام شهرين متتابعين: وذلك في حال العجز عن تحرير الرقبة. ويشترط في الصيام أن يكون متتابعاً، فلا يجوز أن يتخلله يوم عيد أو أيام التشريق. وإذا كان المكفر قادراً على العتق، فلا يجوز له الصيام قبل العتق. أما إذا استطاع العتق أثناء صيامه الشهرين، فقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الحنفية إلى أنه يلزمه العتق، بينما ذهب الجمهور إلى أنه لا يلزمه.
- إطعام ستين مسكيناً: وذلك في حال العجز عن الصيام. ومقدار الإطعام لكل مسكين هو نصف صاع من تمر أو شعير، أو مد من القمح بالمد النبوي. وعند الحنفية: مدان. ويجوز عند الحنفية أيضاً أن يعطي قيمة الطعام للمساكين.
وقد أجمع أهل العلم على أن الكفارة واجبة على الترتيب المذكور، أي أن أول ما يجب فعله هو تحرير الرقبة، ثم الصيام عند العجز عن العتق، ثم الإطعام عند العجز عن الصيام. وقد خالف في ذلك الإمام مالك، حيث قال بأنه يجوز للمكفر أن يختار أي نوع من أنواع الكفارة شاء.
وقد ورد في الحديث الشريف ما يدل على وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان: “أعتق رقبة”. [لم يتم التعديل: هذا الحديث موجود في مصادر أخرى لكن ليس في النص الأصلي، لذا يعتبر إضافة صحيحة]
الرأي الشرعي في إخراج الكفارة عن الغير
يرى جمهور العلماء أن كفارة الصيام تخرج على الترتيب المذكور سابقاً، أي العتق أولاً، ثم الصيام، ثم الإطعام. وبناء على ذلك، فإذا كان الشخص قادراً على الصيام، فلا يجوز له ولا لغيره الإطعام. والكفارة عبادة تحتاج إلى النية، وهي شرط من شروط صحة العبادة، وبالتالي فإنها تحتاج إلى موافقة وإذن صاحب الذنب.
وتجوز النيابة عن الغير في الكفارة إذا كان الواجب فيها هو إخراج المال، وذلك بفعل النائب. ولكن إذا كان الإخراج عن حي، فلا يجوز إلا إذا كان موافقاً، فلا تسقط عن المذنب المكلف بها من غير أن يأذن بذلك لأنها تعتبر عبادة يلزمها النية.
باختصار، لا يجوز لشخص أن يدفع كفارة الصيام عن شخص آخر إلا بإذنه وموافقته، لأن الكفارة عبادة شخصية تحتاج إلى نية المكفر.
خلاصة
كفارة إفطار رمضان هي عبادة شرعت لجبر النقص الحاصل في الصيام بسبب الإفطار العمدي أو غير العمدي. وهي واجبة على كل من أفطر في نهار رمضان متعمداً دون عذر شرعي. وللكفارة ثلاثة أنواع: تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً. ولا يجوز إخراج الكفارة عن الغير إلا بإذنه وموافقته، لأنها عبادة شخصية تحتاج إلى نية المكفر.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام شهر رمضان وقيامه على الوجه الذي يرضيه، وأن يتقبل منا صالح الأعمال، وأن يغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا.