لمحة عن شخصية جحا
يُعد جحا شخصية فكاهية بارزة في التراث الأدبي الشعبي. اشتهرت قصصه بإضفاء جو من المرح والبهجة في التجمعات، ورسم الابتسامات على وجوه الحاضرين. تجسد شخصية جحا رجلاً عايش أحداث زمانه بأسلوب ساخر وذكي، حيث نُسجت حوله العديد من الحكايات والنوادر التي لا تنتهي، والتي سيتم استعراض بعضها في هذا المقال.
حادثة الصفعة الشهيرة
يحكى أن جحا كان يتجول في السوق ذات يوم، فإذا برجل يباغته بصفعة على خده. التفت جحا إليه بنية الاشتباك، لكن الرجل اعتذر بشدة قائلاً: “أنا آسف يا سيدي، فقد ظننتك شخصاً آخر.” لم يتقبل جحا هذا العذر وأصر على اللجوء إلى القضاء. بعد جدال طويل، اقترح الحاضرون الذهاب إلى القاضي للفصل في النزاع.
شاءت الأقدار أن يكون القاضي من أقارب الجاني. وبعد أن استمع القاضي إلى القصة، أشار إلى قريبه بعينه (في إشارة إلى عدم القلق). ثم أصدر حكمه بأن يدفع الرجل لجحا مبلغ 20 ديناراً كتعويض عن الصفعة. اعترض الرجل قائلاً: “ولكن يا سيدي القاضي، أنا لا أملك المال الآن.” فأجابه القاضي وهو يغمز له: “اذهب وأحضره على الفور، وسينتظرك جحا عندي.”
ذهب الرجل، وجلس جحا في مجلس القاضي ينتظر عودة خصمه بالمال، لكن الساعات مرت دون جدوى. أدرك جحا الخدعة، خاصة بعد أن فطن إلى مغزى تلك الإشارات المتبادلة بين القاضي وقريبه. وعندما استيقن جحا بأنه وقع ضحية لمؤامرة، قام وتوجه إلى القاضي وصفعه على خده صفعة أطاحت بعمامته، وقال له: “إذا أحضر خصمي الـ 20 ديناراً، فخذها لك حلالاً طيباً.” ثم انصرف.
كيفية رد جحا على الإهانة
في أحد الأيام، سافر جحا برفقة قاضٍ وتاجر. لم يتوانَ الرجلان عن السخرية منه طوال الرحلة بسبب بساطته وعفويته في الحديث. تفاخر القاضي بعلمه ومكانته قائلاً: “مَن كثر لَغَطه كثر غَلَطُه.” وسأله التاجر: “يا جحا، ألم تخطئ في الكلام أبداً؟”
أجاب جحا: “بلى، لدي أغلاط كثيرة جداً في الكلام. فمرّة كنت أريد أن أقول: قاضيان في النار فأخطأت وقلت قاضٍ في النار، ومرة أخرى كنت أريد أن أقول: إنّ الفجار لفي جحيم فأخطئت وقلت: إنّ التجار لفي جحيم.” عندها فهم الرجلان مقصد جحا، فأطرقا رؤوسهما ولم ينبسا بكلمة طوال الطريق. وقد صدق الله تعالى إذ قال: إِنَّ ٱلْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ
[الانفطار: 13-14]
حكاية الأواني والولادة الغريبة
استعار جحا ذات مرة إناءً من جاره، وعندما أعاده إليه، أرجع معه إناءً صغيراً. فسأله جاره متعجباً: “لماذا أعدت مع إنائي إناءً صغيراً يا جحا؟” فأجابه جحا: “إنّ إناءك وَلَدَ بالأمس إناءً صغيراً، وهو الآن من حقك.” فرح الرجل وأخذ الإناء الصغير ودخل بيته.
بعد مدة من الزمن، ذهب جحا إلى جاره وطلب منه أنية أخرى. فأعطاه جاره ما طلب. مرّ وقت طويل ولم يُعد جحا الآنية. فذهب الجار إلى بيته ليطلبها منه، فاستقبله جحا باكياً منتحباً. فسأله الرجل: “مالي أراك باكياً يا جحا؟!!” فأجابه جحا وهو يبكي: “إنّ آنيتك توفيت بالأمس يا صاحبي.” فقال له جاره بغضب: “وكيف لآنيةٍ أن تموت يا رجل؟!!” فقال جحا: “أتصدق أنّ إناء قد يلد ولا تصدق أنّه قد يموت؟!”