لمحة عامة عن كتاب وحي القلم
يعتبر كتاب “وحي القلم” للأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي، مجموعة من المقالات المتنوعة التي كان ينشرها في مجلة الرسالة. قام الرافعي بجمع هذه المقالات لاحقًا في كتاب واحد، يظهر في معظم طبعاته في ثلاثة أجزاء.
لا يقتصر الكتاب على جانب واحد، بل يتضمن مجموعة واسعة من المواضيع والمقالات. تعود فكرة تجميع هذه المقالات إلى نصيحة من فؤاد صروف، رئيس جريدة المقتطف في ذلك الوقت. استجاب الرافعي لهذه النصيحة وبدأ بجمع ما نشره في الصحف والمجلات، مستعينًا بطلابه، وخاصة محمد سعيد العريان ومحمود أبي رية.
يتضمن الكتاب مقالات، خواطر، آراء نقدية، وقصص مستوحاة من الواقع أو التاريخ. على سبيل المثال، بعد وفاة زوجة أحد أصدقائه، كتب مقالة “موت أم” متأثرًا بمشاهدة أطفالها الصغار. وعندما خُطبت ابنة خال ابنه سامي، وأصيبت بمرض استنزف أموال والدها، وتكفل سامي بعلاجها حتى وفاتها، كتب الرافعي مقالة “عروس تُزف إلى قبرها”. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي الكتاب على مقالات في الأدب والنقد، يدافع فيها الرافعي عن أفكاره ومعتقداته.
دراسة الأسلوب اللغوي في وحي القلم
يمثل كتاب “وحي القلم” نتاج السنوات الثلاث الأخيرة من حياة الرافعي، وهي الفترة التي كان يكتب فيها بانتظام في مجلة الرسالة، التي كان يرأسها الأديب المصري المعروف أحمد حسن الزيات، بالإضافة إلى مجلات وصحف أخرى. ومع ذلك، كانت مجلة الرسالة الأكثر تأثيرًا في حياة الرافعي الأدبية.
يشير العديد من معاصري الرافعي والباحثين إلى أن أسلوبه قبل “وحي القلم” كان معقدًا وغامضًا وعميقًا، يجمع بين أساليب أئمة الأدب والإنشاء منذ عصر الجاحظ. لكن في “وحي القلم”، اتسم أسلوبه بالإشراق والسهولة والعمق الأقل، ربما بسبب التزامه بمواعيد محددة لإنهاء مقالاته.
ويرى محمد سعيد العريان سببًا آخر لظهور هذا الأسلوب السلس في مقالات “وحي القلم”، وهو أن المقالات كانت موجهة لجمهور الصحف والمجلات، الذين ليسوا جميعًا على نفس المستوى من الثقافة والمعرفة. لذلك، أراد الرافعي أن يكون أسلوبه مناسبًا للجميع، وهذا حق من حقوق القراء على الكاتب.
اتبع الرافعي هذا الأسلوب لتسهيل فهم مقالاته على القراء. ويرى العريان أن هذا الأسلوب هو نتيجة لمعارف الرافعي وأساليبه في الكتابة والمعرفة في اللغة العربية، ويظهر فيه شخصيته الأخيرة قبل وفاته.
التركيب الفني في وحي القلم
يضم كتاب “وحي القلم” مقالات في مختلف المجالات، سواء كانت إنسانية أو أدبية أو نقدية. لذلك، يختلف أسلوبه في الكتابة من مقالة إلى أخرى، وبالتالي يختلف معه البناء الفني من صور واستعارات وتراكيب.
ومع ذلك، يمكن تمييز عنصر واحد يطغى على الكتاب بأكمله، وهو اللغة المستخدمة وما يتبعها من استعارات وتشبيهات تكاد تكون ملازمة لجميع فصول الكتاب. فاللغة الغالبة على الكتاب هي اللغة الشعرية التي تفرض على الكاتب نمطًا معينًا في الكتابة يجعله يكثف الصور البيانية مع الاعتماد قليلًا على المحسنات البديعية.
اللغة عند الرافعي هي وسيلة للكشف وليست مجرد أداة نقل وإبلاغ وتواصل، بل هي أعمق من ذلك بكثير. وربما كان سبب الكتابة بهذه الطريقة في النثر هو أن الرافعي كان في الأساس شاعرًا تحول إلى النثر. فعلى سبيل المثال، يقول في إحدى مقالاته:
“كما تطلع الشمس بأنوارها فتفجر ينبوع الضوء المسمى النهار، يولد النبي فيوجد في الإنسانية ينبوع النور المسمى بالدين، وليس النهار إلا يقظة الحياة تحقق أعمالها، وليس الدين إلا يقظة النفس تحقق فضائلها.”
الناثر عادة لا يستعمل هذا الأسلوب إذا أراد أن يوصل المعنى مباشرة للقارئ، ولكن الرافعي يريد لهذا المعنى أن يثبت في ذهن المتلقي، فجاء به في ثوب من التشبيهات المتناسقة.
وجهات نظر نقدية حول وحي القلم
كان لكثير من الأدباء والباحثين والنقاد آراء حول كتاب “وحي القلم” للرافعي. ومن بين هذه الآراء، رأي تلميذه محمد سعيد العريان الذي قال: “هذا كتاب، آخر كتاب أنشأه الرافعي، ففيه النفحة الأخيرة من أنفاسه، والنبضة الأخيرة من قلبه، والومضة الأخيرة من وجدانه، أفرأيت الليل المطبق كيف تتروَّح نسماته الأخيرة بعبير الشجر وتتندَّى أزهاره في نسيم السحر”؟
“ألا وإنه إلى ذلك أول كتاب أنشأه على أسلوبه وطريقته، فقد عاش الرافعي ما عاش يكتب لنفسه وينشر لنفسه، لا يعنيه مما يكتب وينشر إلا أن يُحيل فكرة في رأسه أو لمحة في خاطره أو خفقة في قلبه، إلى تعبير في لسانه أو معنى في ديوانه، ولا عليه بعد ذلك أن يتأدى معناه إلى قارئه كما أراده أو يُغلق دونه، فلما اتصل سببه بمجلة “الرسالة” رأى لقارئه عليه حقًّا أكثر من حق نفسه، فكان أسلوبه الجديد الذي أنشأ به الكتاب”.
يظهر أن كتاب وحي القلم للأديب مصطفى صادق الرافعي هو كتاب مجموع من مقالات كثيرة كان قد نشرها الرافعي في صحف ومجلات مصرية قبل وفاته بنحو ثلاث سنوات، جاء أسلوبه فيه سهلًا سائغًا إذا ما قُورِن بأسلوبه في كتبه الماضية، وقد كتبه بلغة خاصة وتراكيب خاصة ولقي الكتاب احتفاء كبيرًا من القرّاء والنقاد والأدباء.
المصادر
- محمد سعيد العريان،حياة الرافعي، صفحة 233 – 240. بتصرّف.
- مصطفى الجوزو،مصطفى صادق الرافعي رائد الرمزية العربية المطلة على السوريالية، صفحة 99 – 102. بتصرّف.
- كمال نشأت،مصطفى صادق الرافعي، صفحة 26 – 33. بتصرّف.
- مصطفى صادق الرافعي،وحي القلم، صفحة 9. بتصرّف.
- مصطفى نعمان البدري،الرافعي الكاتب بين المحافظة والتجديد، صفحة 348. بتصرّف.
- عيشة بنت إبراهيم الحسني،تداخل الأنواع الأدبية في مقالات “وحي القلم” للرافعي، صفحة 152 – 155. بتصرّف.