نص القصيدة: لا شيء يرضيني
يستهل محمود درويش قصيدته “لا شيء يرضيني” بالكلمات التالية:
“لا شيءَ يُعْجبُني”
يقول مسافرٌ في الباصِ – لا الراديو
ولا صُحُفُ الصباح، ولا القلاعُ على التلال.
أُريد أن أبكي
يقول السائقُ: انتظرِ الوصولَ إلى المحطَّةِ،
وابْكِ وحدك ما استطعتَ
تقول سيّدةٌ: أَنا أَيضاً. أنا لا
شيءَ يُعْجبُني. دَلَلْتُ اُبني على قبري،
فأعْجَبَهُ ونامَ، ولم يُوَدِّعْني
يقول الجامعيُّ: ولا أَنا، لا شيءَ
يعجبني. دَرَسْتُ الأركيولوجيا دون أَن
أَجِدَ الهُوِيَّةَ في الحجارة. هل أنا
حقاً أَنا؟
ويقول جنديٌّ: أَنا أَيضاً. أَنا لا
شيءَ يُعْجبُني. أُحاصِرُ دائماً شَبَحاً
يُحاصِرُني
يقولُ السائقُ
العصبيُّ: ها نحنا
اقتربنا من محطتنا الأخيرة، فاستعدوا
للنزول…
فيصرخون: نريدُ ما بَعْدَ المحطَّةِ،
فانطلق!
أمَّا أنا فأقولُ: أنْزِلْني هنا. أنا
مثلهم لا شيء يعجبني، ولكني تعبتُ
من السِّفَرْ.
تأملات في معاني القصيدة
عنوان القصيدة، “لا شيء يرضيني”، يحمل دلالات عميقة من التشاؤم والإحباط، مما يهيئ القارئ لاستقبال المشاعر التي ستعبر عنها الأبيات. يبدأ درويش قصيدته بعبارة بسيطة لكنها قوية، على لسان مسافر في حافلة، يعبر عن استيائه من كل ما يحيط به، سواء داخل الحافلة أو خارجها.
هذا المسافر، الذي يبدو أنه ضاق ذرعاً بالحياة، يجد أن الراديو والصحف الصباحية، وحتى المناظر الطبيعية الخلابة مثل القلاع على التلال، لم تعد قادرة على إمتاعه أو إثارة اهتمامه. يعبر عن رغبته في البكاء، مما يشير إلى أنه يحمل في قلبه أحمالاً ثقيلة من الهموم والأحزان.
يرد السائق بأسلوب قاسٍ وساخر، وكأنه هو الآخر يعاني من مشاكل وهموم تثقل كاهله. هذا الرد المفاجئ يكسر توقعات القارئ، ويؤكد على فكرة أن الطاقة السلبية يمكن أن تنتقل من شخص إلى آخر.
تتوالى الأصوات المعبرة عن الاستياء، فتنضم سيدة إلى المسافر، معلنة أنها أيضاً لم يعد يرضيها شيء. تكشف عن مأساة شخصية، حيث فقدت ابنها ولم تستطع وداعه، مما يجعل الحياة تبدو قاتمة وموحشة في غيابه.
ثم يأتي صوت الشاب الجامعي، الذي درس علم الآثار ولكنه لم يجد في الحجارة ما يرضي شغفه بالهوية والانتماء. يطرح سؤالاً وجودياً عميقاً، يتساءل فيه عن حقيقة ذاته، وعما إذا كان هو حقاً من يظن أنه هو.
ينضم جندي إلى جوقة المستائين، مؤكداً أنه أيضاً لا شيء يرضيه. يعبر عن شعوره بأنه يحاصر شبحاً يطارده، مما يعكس ربما واقعه كجندي مكلف بحماية نظام قد يكون هو نفسه غير راضٍ عنه.
يحاول السائق، الذي وصفه درويش بالعصبي، إنهاء الرحلة وإيصال الركاب إلى المحطة الأخيرة، لكنهم يرفضون النزول ويطالبون بالمضي قدماً إلى ما بعد المحطة. هنا يتبدى صراع بين إرادة الجماعة وإرادة الفرد المسيطر.
في النهاية، يتدخل الشاعر نفسه، معلناً أنه يتفق مع الركاب في شعورهم بالاستياء، لكنه يطلب من السائق أن ينزله لأنه تعب من السفر. بهذا، يعبر الشاعر عن رغبته في الانفصال عن هذا الواقع المرير، دون أن يتخلى عن تضامنه مع الآخرين.
يمكن اعتبار الحافلة في القصيدة رمزاً للوطن، والركاب يمثلون مختلف شرائح المجتمع. عبارة “لا شيء يرضيني” تعكس حالة من الاعتراض والسخط على الأوضاع القائمة، والسائق يرمز إلى القائد الذي يرفض الاستماع إلى مطالب الشعب.
لمحة عن حياة محمود درويش
محمود درويش هو شاعر فلسطيني يعتبر من أبرز الشعراء العرب في العصر الحديث. اشتهر بقصائده الوطنية والقومية التي تعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني وتطلعاته نحو الحرية والاستقلال. لم يكن درويش شاعراً فحسب، بل كان أيضاً ناقداً أدبياً وصحفياً مرموقاً.
ترجمت قصائده إلى العديد من اللغات، وحصل على جوائز تقديرية رفيعة، منها “جائزة ابن سينا”.
المصادر
- “لا شيء يعجبني “،الديوان
- الدكتور بسام الحمداني،المقالة عند محمود درويش، صفحة 9. بتصرّف.
- كامل الجبوري،معجم الأدباء من العصر الجاهلي سنة 2002م حتى، صفحة 181. بتصرّف.