نظرة في قصيدة: عطش الأرواح لإيليا أبو ماضي

دراسة متعمقة لقصيدة ‘عطش الأرواح’ لإيليا أبو ماضي. تحليل للمعاني والمضامين، استكشاف للعناصر الفنية، ودراسة للإيقاع والموسيقى الشعرية.

لمحة عامة حول القصيدة

تتمحور الفكرة الرئيسية في هذه القصيدة حول شغف الشاعر بالحياة، وتمسكه الشديد بها، بالإضافة إلى رفضه القاطع للحرب وكل ما يرتبط بها من دمار وخراب. يستهل الشاعر قصيدته بالحديث عن الحياة وجمالها، وتحديدًا عن قدوم الربيع بعد انتهاء فصل الشتاء. يهدف الشاعر من خلال ذلك إلى إظهار نهاية حقبة الحرب، والعودة إلى الحياة الطبيعية التي تقوم على السلام والتعايش، ونبذ العنف وكل من يدعو إليه. يتجلى هذا المعنى في الأبيات التالية:

زَحزَحَت عَن صَدرِها الغَيمَ السَماء
وَأَطَلَّ النورُ مِن كَهفِ الشِتاء
فَالرَوابي حِلَلٌ مِن سُندُسٍ
وَالسَواقي ثَرثَراتٌ وَغِناء
رَجَعَ الصَيفُ اِبتِساماً وَشَذىً
فَمَتى يَرجِعُ لِلدُنيا الصَفاء
فَأَرى الفِردَوسَ في كُلِّ حِمىً
وَأَرى الناسَ جَميعاً سُعَداء
زالَتِ الحَربُ وَوَلَّت إِنَّما
لَيسَ لِلذُعرِ مِنَ الحَربِ اِنقِضاء

يعبر الشاعر عن مدى كراهيته للحرب، ويعلن رفضه لها ولمحبيها. يصل به الأمر إلى الدعاء بأن يكتم الله عن البشر أسرار العلم، حتى لا يستخدموه في أغراض الحرب والقتل. تتناول القصيدة مشكلة عالمية جوهرية، وهي استخدام العلم والمعرفة في القتل والدمار، بدلًا من استخدامهما في البناء والسلام بين الناس، كما يظهر في قوله:

عَجَباً وَالحَربُ بابٌ لِلرَدى
وَطَريقٌ لِدَمارٍ وَعَفاء
كَيفَ يَهواها بَنو الناسِ فَهَلْ
كَرِهوا في هَذِهِ الدُنيا البَقاء
إِن يَكُن عِلمُ الوَرى يَشفيهِمُ
يا إِلَهي رُدَّ لِلناسِ الغَباء
وَليَجئ طوفانُ نوحٍ قَبلَ
ما تَغرَقُ الأَرضُ بِطوفانِ الدِماء
وَاِعصِمِ الأَسرارَ وَاِحجُب كُنهَها
عَن ذَوي العِلمِ وَأَربابِ الذَكاء
فَلَقَد أَكثَرتَ أَسبابَ الأَذى
عِندَما أَكثَرتَ فينا العُلَماء

الجوانب الفنية في القصيدة

يعتمد الشاعر في هذه القصيدة بشكل كبير على الصور الفنية، وذلك لقرب هذا الأسلوب من النفس، وقدرته على تعميق المعنى المراد. يظهر ذلك جليًا في تسمية القصيدة بـ “عطش الأرواح”، وهي تسمية تحمل انزياحًا دلاليًا واضحًا، فالأرواح لا تعطش بالمعنى الحرفي، لكن الشاعر صورها بالكائن العطشان الذي يتوق إلى الحرية والسلام.

يشبه الشاعر السماء بالإنسان النائم، والغمام بالصخرة الموضوعة على صدره، كناية عن ثقل الحرب على النفوس، وكأنها صخرة تحبس الأنفاس. لتأكيد هذا المعنى، يصف الشاعر الحياة بالربيع، والحرب بالشتاء الزائل.

هذا الوصف يحمل دلالة أسلوبية عميقة، فالشاعر يصف الحياة المسالمة بالربيع الذي يأتي بعد الشتاء، للدلالة على تجدد الحياة. الربيع هو فصل الازدهار، حيث تنتعش الأرض وتثمر الأشجار، مما يدل على الخصب والنماء.

زَحزَحَت عَن صَدرِها الغَيمَ السَماء
وَأَطَلَّ النورُ مِن كَهفِ الشِتاء
فَالرَوابي حِلَلٌ مِن سُندُسٍ
وَالسَواقي ثَرثَراتٌ وَغِناء

يدعو الشاعر إلى التمسك بالحياة، وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة والموت، ويحث على نبذ الحرب وعدم تبريرها. الموت في نظره لا مبرر له إلا حلول الأجل، أما ما عدا ذلك فلا يجب أن نخسر أرواحنا من أجله. يرى الشاعر متعته في هذه الأرض، ويتمنى أن يعيش في عصر يسوده السلام والاستقرار، كما يعبر عن ذلك في قوله:

حُرِّمَ القَتلُ وَلَكِن عِندَهُم
أَهوَنُ الأَشياءِ قَتلُ الضُعَفاء
لا تَقُل لي هَكَذا اللَهُ قَضى
أَنتَ لا تَعرِفُ أَسرارَ القَضاء
جاءَني بِالماءِ أَروي ظَمَأي
صاحِبٌ لي مِن صِحابي الأَوفِياء
يا صَديقي جَنِّبِ الماءَ فَمي
عَطَشُ الأَرواحِ لا يُروى بِماء
أَنا لا أَشتاقُ كاساتِ الطِلالا
وَلا أَطلُبُ مَجداً أَو ثَراء
إِنَّما شَوقي إِلى دُنيا رِضىً
وَإِلى عَصرِ سَلامٍ وَإِخاء
لا تَعِدني بِالسَما يا صاحِبي
السَما عِندِيَ قُربُ الأَصدِقاء
وَأُراني الآنَ في أَكنافِهِم
فَأَنا الآنَ كَأَنّي في السَماء

البناء الإيقاعي للقصيدة

يلتزم الشاعر في هذه القصيدة بقواعد العروض في الشعر العربي. البيت الأول مصرع ومقفى، أي أن القافية تتكرر في آخر صدر البيت وعجزه، مما يخلق إيقاعًا موسيقيًا مميزًا.

تعتمد القصيدة على بحر الرمل، الذي يتكون من التفعيلات فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن. هذا البحر يتميز بإيقاعه الموسيقي الهادئ، الذي يتناسب مع مضمون القصيدة الذي يلطف صورة الحياة، ويدعو إلى التمسك بها، ونبذ الحرب والقتال.

المراجع

  • “زحزحت عن صدرها الغيم السماء”، الديوان.
  • هدى الحنايفة (13/7/2021)، “عروض بحر الرمل”، بيت القصيد.
Total
0
Shares
المقال السابق

دراسة في قصيدة “ردوا علي الصبا” للبارودي

المقال التالي

نظرة تحليلية في قصيدة: كذبتك عينك أم رأيت بواسط

مقالات مشابهة