نظرة في شعر الغزل عند ابن خفاجة

استكشاف لعالم الغزل في قصائد ابن خفاجة الأندلسي، مع تحليل لأبرز أشعاره مثل ‘أبشرك أم ماء يسح وبستان’ و ‘أفي ما تؤدي الريح عرف سلام’ و غيرها.

مقدمة عن ابن خفاجة وشعره

يعتبر ابن خفاجة أحد أعمدة الشعر الأندلسي، حيث تميزت أعماله بوصف الطبيعة الخلابة وجمالها، بالإضافة إلى إبداعه في فن الغزل. ترك لنا الشاعر مجموعة من القصائد التي تعبر عن مشاعره وأحاسيسه تجاه المحبوبة والطبيعة على حد سواء.

تحليل قصيدة: أبشرك أم ماء يسح وبستان

في هذه القصيدة، يتساءل الشاعر عن مصدر البهجة والسرور الذي يغمره، هل هو بشرى أم ماء جار وبستان؟ أم هو ذكر المحبوبة أم خمر تدار وريحان؟ يعبر عن حيرته ودهشته من هذا الشعور الذي يجعله كالسكران.

يقول ابن خفاجة:

أَبِشرُكَ أَم ماءٌ يَسُحُّ وَبُستانُ
وَذِكرُكَ أَم راحٌ تُدارُ وَرَيحانُ
وَإِلّا فَما بالي وَفَودِيَ أَشمَطٌ
تَلَوَّيتُ في بُردي كَأَنِّيَ نَشوانُ
وَهَل هِيَ إِلّا جُملَةٌ مِن مَحاسِنٍ
تَغايَرُ أَبصارٌ عَلَيها وَآذانُ
بِأَمثالِها مِن حِكمَةٍ في بَلاغَةٍ
تُحَلِّلُ أَضغانٌ وَتَرحَلُ أَظعانُ
وَتُنظَمُ في نَحرِ المعالي قِلادَةٌ
وَتُسحَبُ في نادي المَفاخِرِ أَردانُ
كَلامٌ كَما اِستَشرَفتَ جيدَ جَدايَةٍ
وَفُصَّلَ ياقوتٌ هُناكَ وَمُرجانُ
تَدَفَّقَ ماءُ الطَبعِ فيهِ تَدَفُّقاً
فَجاءَ كَما يَصفو عَلى النارِ عِقيانُ
أَتاني يَرِفُّ النَورُ فيهِ نَضارَةً
وَيَكرَعُ مِنهُ في الغَمامَةِ ظَمآنُ
وَتَأخُذُ عَنهُ صَنعَةَ السِحرِ بابِلٌ
وَتَلوي إِلَيهِ أَخدَعَ الصَبِّ بَغدانُ
وَجَدتُ بِهِ ريحَ الشَبابِ لُدونَةً
وَدونَ صِبا ريحِ الشَبيبَةِ أَزمانُ
وَشاقَ إِلى تُفّاحِ لُبنانَ نَفحَهُ
وَهَيهاتَ مِن أَرضِ الجَزيرَةِ لُبنانُ
فَهَل تَرِدُ الأُستاذَ مِنّي تَحِيَّةً
تَسيرُ كَما عاطى الزُجاجَةَ نَدمانُ
تَهَشَّ إِلَيها رَوضَةُ الحَزنِ سَحرَةً
وَيَثني إِلَيها مِن مَعاطِفِهِ البانُ
تَحَمَّلَها حَملَ السَفيرِ بَنَفسَجٌ
تَحَمَّلهُ حَملَ السَريرَةِ سَوسانُ

يستخدم الشاعر صورًا بلاغية رائعة للتعبير عن جمال الكلمات وتأثيرها، حيث يشبهها بالياقوت والمرجان، وبالنور الذي يرف ويشفي الظمآن. كما يشتاق إلى عطر لبنان، ويتمنى أن تصل تحيته إلى الأستاذ كخمرة يديرها الندمان.

تأملات في قصيدة: أفي ما تؤدي الريح عرف سلام

في هذه القصيدة، يتساءل الشاعر عما إذا كان ما تحمله الريح هو عرف سلام من المحبوبة، أم أن البرق يشعل نار الغرام في قلبه. يعبر عن شوقه وحنينه إلى أيام الشباب وذكرياته الجميلة.

يقول ابن خفاجة:

أَفي ما تُؤَدّي الريحُ عَرفُ سَلامِ
وَمِمّا يَشُبُّ البَرقُ نارُ غَرامِ
وَإِلّا فَماذا أَرَّجَ الريحَ سَحرَةً
وَأذكى عَلى الأَحشاءِ لَفحَ ضِرامِ
أَما وَجُمانٍ مِن حَديثِ عَلاقَةٍ
يَهُزُّ إِلَيهِ الشَيخُ عِطفَ غُلامِ
تَحَلَّت بِهِ مابَينَ سَلمى وَمَربَعٍ
سَوالِفُ أَيّامٍ سَلَفنَ كِرامِ
لَقَد هَزَّني في رَيطَةِ الشَيبِ هَزَّةً
أَرَتني وَرائي في الشَبابِ أَمامي
فَلَولا دِفاعُ اللَهِ عُجتُ مَعَ الهَوى
وَجُلتُ بِواديهِ أَجُرُّ خِطامي
وَرُبَّ لَيالٍ بِالغَميمِ أَرِقتُها
لِمَرضى جُفونٍ بِالفُراتِ نِيامِيَطولُ عَلَيَّ اللَيلُ ياأُمَّ مالِكٍ
وَكُلُّ لَيالي الصَبِّ لَيلُ تَمامِ
وَلَم أَدرِ ما أَشجى وَأَدعى إِلى الهَوى
أَخَفقَهُ بَرقٍ أَم غِناءُ حَمامِ
إِذا ما اِستَخَفَّتني لَها أَريحِيَّةٌ
عَثَرتُ بِذَيلي لَوعَةٍ وَظَلامِ
وَخَضخَضتُ دونَ الحَيِّ أَحشاءَ لَيلَةٍ
يُخَفِّرُني فيها وَميضُ غَمامِ
فَقَضَّيتُها ما بَينَ رَشفَةِ لَوعَةٍ
وَأَنَّةِ شَكوى وَاِعتِناقِ غَرامِ
وَأَحسَنُ ما اِلتَفَّت عَلَيهِ دُجُنَّةٌ
عِناقُ حَبيبٍ عَن عِناقِ حُسامِ
فَلَيتَ نَسيمَ الريحِ رَقرَقَ أَدمُعي
خِلالَ دِيارٍ بِاللِوى وَخِيامِ
وَعاجَ عَلى أَجراعِ وادٍ بِذي الغَضا
فَصافَحَ عَنّي فَرعَ كُلِّ بِشامِمَسَحتُ لَهُ عَن ناظِرِيَّ صَبابَةً
وَأَقلِل بِدَمعي مِن قَضاءِ ذِمامِ
فَيا عَرفَ ريحٍ عاجَ عَن بَطنِ لَعلَعٍ
يَجُرُّ عَلى الأَنداءِ فَضلَ زِمامِبِما بَينَنا بِالحِقفِ مِن رَملِ عالِجٍ
وَفي مُلتَقى الأَرطى بِسَفحِ شِمامِ
تَلَذَّذ بِدارِ القَصفِ عَنِّيَ ساعَةً
وَأَبلِغ نَداماها أَعَمَّ سَلامِوَقُل لِغَمامٍ أَلحَفَ الأَرضَ ذَيلَهُ
فَلَفَّ فُجاجاً تَحتَهُ بِإِكامِأَما لَكَ مِن ظِلٍّ يُبَرِّدُ مَضجَعي
أَما لَكَ مِن طَلٍّ يَبُلُّ أَواميوَأَيُّ نَدىً أَو بَردِ ظِلٍّ لِمُزنَةٍ
عَلى عَقبِ أَترابٍ رُزِئنَ كِرامِوَقَفتُ وُقوفَ الشَكِّ بَينَ قُبورِهِم
أُعَظِّمُها مِن أَعظُمٍ وَرِجامِوَأَندُبُ أَشجى رَنَّةٍ مِن حَمامَةٍ
وَأَبكي وَأَقضي مِن ذِمامِ رِمامِقَضوا بَينَ وادٍ لِلسَماحِ وَمَشرَعٍ
وَغارِبِ عِزٍّ في العُلى وَسَنامِوَمُنتَصِبٍ كَالرُمحِ هِزَّةَ عِزَّةٍ
وَفَتكَةَ بَأسٍ وَاِستِواءَ قَوامِوَمُنصَلِتٍ كَالسَيفِ نُصرَةَ صاحِبٍ
وَضِحكَةَ بِشرٍ وَاِعتِزازَ مَقامِوَمُنتَقِلٍ مُستَقبِلٍ كَعبَةَ العُلى
يُصَلّي بِأَهليها صَلاةَ زُؤامِتَهِلُّ لَهُ مِن عِفَّةٍ في طَلاقَةٍ
كَأَنَّ بِبُردَيهِ هِلالَ صِيامِوَما ضَرَّهُ أَن يَستَسِرَّ لِعاتِمٍ
إِذا ما بَدا في آخِرٍ بِتَمامِ

يتمنى الشاعر أن يحمل نسيم الريح دموعه إلى ديار المحبوبة، وأن يبلغ سلامًا إلى رفاقه القدامى. كما يتوجه إلى الغمام سائلاً عن ظل يبرد مضجعه وطل يبل أوامه.

قراءة في قصيدة: غازلته من حبيب وجهه فلق

في هذه الأبيات، يصف الشاعر محبوبه الذي يشبه وجهه الفلق، وكيف أن الخجل يرتجف في أذياله كغصن من إستبرق وورق.

يقول ابن خفاجة:

غازَلتُهُ مِن حَبيبٍ وَجهُهُ فَلَقُ
فَما عَدا أَن بَدا في خَدِّهِ شَفَقُ
وَاِرتَجَّ يَعثُرُ في أَذيالِ خَجلَتِهِ
غُصنٌ بِعَطفَيهِ مِن إِستَبرَقٍ وَرَقُ
تَخالُ خيلانَهُ في نورِ صَفحَتِهِ
كَواكِباً في شُعاعِ الشَمسِ تَحتَرِقُ
عَجِبتُ وَاعَينُ ماءٌ وَالحَشا لَهَبٌ
كَيفَ اِلتَقَت بِهِما في جَنَّةٍ طُرُقُ

يشبه الشاعر خيلان المحبوب بالكواكب التي تحترق في شعاع الشمس، ويتعجب من اجتماع الماء والنار في قلبه.

نظرة على قصيدة: الليل إلا حيث كنت طويل

يعبر الشاعر في هذه القصيدة عن أن الليل طويل إلا حيث يكون المحبوب، وأن الصبر قد نفد منذ فراقه. يصف حالته النفسية بالكآبة والعيون بالكلل.

يقول ابن خفاجة:

اللَيلُ إِلا حَيثُ كُنتَ طَويلُ
وَالصَبرُإِلّا مُنذُ بِنتَ جَميلُ
وَالنَفسُ ما لَم تَرتَقِبكَ كَئيبَةٌ
وَالطَرفُ مالَم يَلتَمِحكَ كَليلُ
فَلَقَد خَلَعتَ عَلى الزَمانِ مَحاسِناً
تُثنى بِهِ أَعطافُهُ فَيَذيلُوَلَقَد شَمَلتَ الحَضرَتَينِ بِنِعمَةٍ
يَجري الثَناءُ بِوَصفِها فَيُطيلُفَالصُبحُ ثَغرٌ في جَنابِكَ ضاحِكٌ
وَاللَيلُ طَرفٌ في ذَراكَ كَحيلُوَأَقَمتَ مِن أَوَدٍ هُناكَ وَهَهُنا
فَدَفَقتَ آراءً وَأَنتَ جَليلُوَتَكَشَّفَت لَكَ حالَةٌ عَن غادِرٍ
مَلِقٍ وَمرعى الغادِرينَ وَبيلُفَقَعَدتَ بِالأَعداءِ قِعدَةَ خالِعٍ
ثَوبَ العَزازَةِ عَنهُ فَهوَ ذَليلُوَهَدَدتَ هَضبَةَ عِزِّهِ فَكَأَنَّها
نَسفاً كَثيبٌ بِالعَراءِ مَهيلُفَتَطَوَّقَت بِالهَونِ مِنهُ حَمامَةٌ
يَعتادُها تَحتَ الظَلامِ عَويلُوَأَراهُ صَبوَةَ ماجَناهُ دَهمَةً
نَظَرٌ جَزاهُ عَنِ القَبيحِ جَميلُفَاِعتاصَ مِن لُجٍّ وَأَعتَمَ مَسلَكٌ
وَاِلتاثَ مُلتَمَسٌ وَضاقَ سَبيلُوَوَشى رِداءَ الحَمدِ بِاِسمِكَ خاطِرٌ
قَد عاثَ فيهِ السُقمُ فَهوَ كَليلُفَسَجَعتُ في قَيدِ الشَكاةِ مُغَرِّداً
طَرَباً وَلِلطَرفِ الرَبيطِ صَهيلُ

يذكر الشاعر أن المحبوب قد أضفى على الزمان محاسن، وأن الصبح يضحك في جانبه والليل يكتحل في ذراه.

المصادر

Total
0
Shares
المقال السابق

المرأة في قصائد الجاهلية: نظرة تحليلية

المقال التالي

الشعر الغزلي في الحقبة الإسلامية

مقالات مشابهة