نظرة في الممارسات الطبية النبوية وأهميتها

استكشاف مفهوم الممارسات الطبية النبوية وأهميتها. نظرة على جهود العلماء المسلمين الأوائل في تدوينها، ومناقشة حجيتها والخلاف حولها، بالإضافة إلى عرض لمجالاتها وأقسامها المتنوعة.

ما هي الممارسات الطبية النبوية وأهميتها؟

تُعرف الممارسات الطبية النبوية بأنها مجموعة الوصفات والإرشادات التي وردت عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، سواءً تلك التي استخدمها هو شخصياً في التداوي، أو تلك التي وصفها للصحابة -رضوان الله عليهم-، أو تلك التي أوصى بها للحفاظ على الصحة العامة. تشمل هذه الإرشادات كل ما يتعلق بصحة الإنسان والعناية به، مثل أنواع الأطعمة والمشروبات الموصى بها، وأساليب الرقية الشرعية، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالصحة.

تكمن أهمية الطب عموماً في دوره الحيوي في بناء الحضارات، حيث يساهم في الحفاظ على صحة الإنسان ووقايته من الأمراض. تتضمن الممارسات الطبية النبوية جزءاً هاماً من السيرة النبوية، وقد خصصت لها أبواب في كتب الحديث النبوي الشريف.

تتجلى أهمية الممارسات الطبية في الإسلام في ارتباطها الوثيق بحياة الإنسان، حيث تؤثر على عمله ورزقه وعبادته. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرص على توجيه أمته إلى كل ما فيه صلاحها في الدين والدنيا، سواءً كان ذلك متعلقاً بالصحة البدنية أو المعيشة أو غير ذلك. يُطلق على هذه الممارسات أيضاً اسم “الطب الإسلامي” للإشارة إلى ما جُمع من أحاديث ووصايا وأدوية تتعلق بالصحة، بالإضافة إلى الاستفادة من المعارف الطبية المتاحة في عصره -عليه الصلاة والسلام-، وما ورد في القرآن الكريم من إشارات ذات صلة.

لم تقتصر الممارسات الطبية النبوية على علاج الأمراض الجسدية فحسب، بل شملت أيضاً علاج النفس البشرية وتزكيتها. بدأ العلاج بالإصلاح النفسي، ثم العناية بالجسد وصحته، ثم الاهتمام ببيئة الإنسان ومكان عيشه، وصولاً إلى المجتمع ككل، حيث وُضعت الخطط والطرق الوقائية لجميع جوانبه. لم يُغفل الإسلام عن أي جانب من جوانب الحياة، حتى تلك التي تعتبر خاصة جداً. لقد ربط الإسلام العبادة بالصحة، فشرع الله -تعالى- العديد من الأحكام التي تحافظ على الجسد وتقيه، مثل الصوم والوضوء.

مساهمات علماء المسلمين في تدوين الممارسات الطبية النبوية

يُعتبر الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم أول من قام بتأليف كتاب في الممارسات الطبية النبوية، وهي رسالة قام بنشرها وتدقيقها الدكتور محمد علي البار. بعد ذلك، توالت الكتابات في هذا المجال من قبل العديد من الأطباء والعلماء.

كانت رسالة الإمام علي الرضا بعنوان “الرسالة الذهبية في الطب النبوي”، وقد كتبها استجابة لأمر الخليفة المأمون، ونُشرت بعد وفاته بمدة طويلة في عام 1992م. احتوت الرسالة على حديث واحد فقط، لذلك لا تعتبر كتاباً شاملاً للممارسات الطبية النبوية. فيما يلي ذكر لعدد من الكتب الأخرى التي أُلفت بعد هذه الرسالة:

  • المنهج السوي والمنهل الروي: يُعد من أوائل الكتب التي كُتبت في هذا المجال، وهو من تأليف السيوطي. قُسّم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء؛ الأول تناول أهمية الطب وذكر الأحاديث التي أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- حول أهمية العلاج، ثم ذكر كيف شرح الأطباء أحاديث الطب النبوي، وذكر بعض ما توصل إليه علماء المسلمين في الطب مثل ابن سينا وابن طرخان. أما الجزء الثاني فتحدث فيه عن المصطلحات الطبية ومعانيها، وزاد في ذكر الأحاديث وما ورد في كتب الشروحات لعلماء المسلمين. ختم الكتاب بالجزء الثالث الذي ذكر فيه الأدوية وبعض الأمراض، مع الإكثار من ذكر الأحاديث النبوية في هذا القسم.
  • كتاب الطب النبوي لأبي نعيم الأصفهاني: حقّقه مصطفى خضر دونمز التركي، وفيه أبواب كثيرة تحدث فيها عن فضل الطب، وأوصى بتعلمه، وتحدث عن قضايا فقهية مثل مداواة النساء للرجال من غير ذوات المحارم، ومداواة الرجال للنساء، وشَرَح وفصّل كثيراً في الأدوية والأمراض، وأورد الكثير من الأحاديث النبوية.
  • كتاب الطب النبوي لابن القيم: جعله فصولاً، وفي كل فصل خصص الأحاديث التي تحدث بها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مرض ما أو أوصى بها غيره عن مرض معين، فجعل فصلاً للحمى وعلاج استطلاق البطن، وفصلاً في أحاديث الطاعون، وأحاديث أخرى في الحجامة وبقية الأمراض.

شهد العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في عهد الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون ظهور أعظم أطباء العالم الإسلامي وبداية الاختراعات الطبية التي كانت إرثاً عظيماً للعالم أجمع. في هذه الفترة، تم تأليف العديد من الكتب الطبية الهامة. تجدر الإشارة إلى أن الكتب الحديثة في الممارسات الطبية النبوية لا حصر لها، ومن بينها:

  • الحاوي للرازي.
  • القانون لابن سينا: والذي اعتُبر أكبر موسوعة علمية في ذلك الوقت، فلم يترك شيئاً عن الطب إلا وذكره، وقد تُرجم لعدّة لغات.
  • كتابي البخاري ومسلم اللذين أوردا الكثير من الأحاديث عن الطب.
  • كتاب الطب النبوي للذهبي.
  • كتاب الطب النبوي لعبد الملك الأندلسي: وهو قسمين؛ قسم الأحاديث وما ثبت عن الصحابة عن الطب، والقسم الثاني الأدوية والأطعمة والمشروبات وفوائدها ومضارها.
  • الطب النبوي لأبي بكر الدينوري: وتحت هذا العنوان نفسه كتب جعفر بن محمد المستغفري.
  • كتاب الشفاء في الطب المسند عن السيد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لأحمد يوسف التفاشي.
  • كتاب الأحكام النبوية في الصناعة الطبية لعلاء الدين طرخان الكحال: وقد أورد فيه الكثير من اقتباسات الكتب الطبية القديمة لابن سينا وغيره، وقد خرج عن طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أورد بعض الرقى التي لم ترد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والتمائم المخالفة للشريعة الاسلامية.

مدى حجية الممارسات الطبية النبوية: نظرة في آراء العلماء

اختلف العلماء حول ما إذا كانت الممارسات الطبية النبوية تعتبر جزءاً من الوحي الإلهي، أم أنها مجرد رأي شخصي من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تحمل صفة التشريع. تتلخص آراء العلماء في هذه المسألة فيما يلي:

  • الرأي الأول: يرى أصحاب هذا الرأي، ومن بينهم ابن خلدون، أن آراء النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في الأمور الطبية كانت من قبيل المشورة فقط. استندوا في ذلك إلى قول النبي محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- في الحديث الشريف: (أنتمْ أعلَمُ بأمْرِ دُنياكُمْ). واعتبروا الطب بذلك علماً تجريبياً.

    ويرى بعضهم أن السنة النبوية تنقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بالتشريع ويجب الاقتداء به، وقسم يتعلق بالاختيار ولا يجب الاقتداء به، وذلك استناداً إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما أَنَا بَشَرٌ، إذَا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ مِن دِينِكُمْ فَخُذُوا به، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ مِن رَأْيِي، فإنَّما أَنَا بَشَرٌ). واعتبروا أن الطب يندرج تحت هذا القسم، وبالتالي فإن اتباع تلك الوصايا يكون اختيارياً وليس إلزامياً.

  • الرأي الثاني: يرى الكثير من العلماء أن كل ما ورد في السنة الشريفة والقرآن الكريم هو تشريع لا شك فيه.

    يؤكد أصحاب هذا الرأي على أن كل ما ورد عن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في جميع جوانب الحياة هو تشريع قطعي. يستندون في ذلك إلى قوله -تعالى-: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى).

    إضافة إلى قوله -تعالى-: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، الذي يعتبر أمراً واضحاً من الله -تعالى- بالالتزام بأوامر الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام-.

مجالات وأقسام الممارسات الطبية النبوية

تنقسم الممارسات الطبية النبوية إلى عدة مجالات رئيسية، تشمل:

الممارسات الطبية النبوية للحفاظ على الصحة والعناية بها

أولى الإسلام اهتماماً بالغاً بالصحة بجميع جوانبها، ومنح النظافة أولوية قصوى، وحث عليها واعتبرها مدخلاً أساسياً لحفظ الإنسان ووقايته. من الأمثلة على ذلك: الوضوء الذي يحافظ عليه كل مسلم ويلتزمه في كل يوم خمس مرات، وكذلك الغُسل الواجب في مناسبات معينة كالحيض والنفاس والجنابة، والمستحب في أوقات أخرى كالأعياد. وفي النظافة الشخصية، أوصى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بتقليم الأظافر. كما قال أيضاً: (إذا استيقظ أحدُكم من نومِه، فليغسِلْ يدَه قبل أن يُدخِلَها الإناءَ، فإنَّ أحدَكم لا يدري أين باتت يدُه). وحث كذلك على تغطية الإناء وتغطية الطعام.

اهتم الإسلام بنظافة البيئة والمكان، وجعل إزالة الأذى عن الطريق صدقة، واعتبرها جزءاً من الإيمان. من الوصايا الجميلة التي تحفظ الأبدان قول الله -تعالى-: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا). فحاجة الجسم للطعام والشراب ضرورية لحفظ حرارة الأبدان، ولكن الإفراط في تناولها يؤدي إلى تكدسها في الجسم وتضر به، مما يسبب العلل والأمراض.

الممارسات الطبية النبوية العلاجية

جاء الإسلام لتلبية احتياجات الإنسان، ومن بينها حاجته إلى العلاج. وكما خلق الله -تعالى- المرض، فقد خلق له العلاج. ففي الحديث الشريف: (لِكُلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصيبَ دواءُ الدَّاءِ برأَ، بإذنِ اللَّهِ). وهذا يدعو الإنسان إلى البحث عن دواء لأي مرض يصيبه وعدم الاستسلام للمرض دون علاج.

كان الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن إهمال النفس وتركها في حالة المرض، مدعياً أن الإنسان لا يحتاج إلى التداوي لأن الله -تعالى- هو الشافي. بل إن كون الله -تعالى- هو الشافي يدعو إلى الأخذ بالأسباب. وفيما ورد عنه -عليه أفضل الصلاة والسلام-: (سُئِلَ الرسولُ عن أدويةٍ يتداوون بِها، وتُقاةٍ يتَّقونَها هل تَرُدُّ مِن قدَرِ اللَّهِ شيئًا قالَ: هيَ مِن قدرِ اللَّهِ).

بهذا أسس نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لمفهوم عميق من عدم التواكل، وأرسى قواعد انطلق منها علماء المسلمين وأطباؤهم. وقد جعل من الصدقة دواء للمرض وسبباً للشفاء بإذن الله -تعالى-، فقال سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-: (داوُوا مرضاكم بالصدقةِ).

في علاج الحمى، كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يوصي بالكمّادات الباردة، حيث قال: (الحُمَّى مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، فابْرُدُوها بالماءِ). وفي أوجاع الرأس والصداع، كان يضع على رأسه -عليه الصلاة والسلام- عصبة، وهو ما أكده العلم الحديث من أنه يخفف من الألم فعلاً. ولا يقتصر اهتمام المسلم بصحته في ظرف من الظروف، بل إن الاهتمام واجب في كل الظروف، سواء كان مقيماً أو مسافراً.

الممارسات الطبية النبوية النفسية والروحية

أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس بالاستعانة بالقرآن الكريم بالإضافة إلى العلاج، فهو خير علاج. قال الله -تبارك وتعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ). وقال -سبحانه-: (يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ). وحث على الرقية بآيات القرآن الكريم، فهي شفاء من الحسد والعين والسحر بإذن الله.

من هدي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يتحدث الزائرون للمريض بكلام يطيب به نفس المريض، وتقوى به روحه، فإن الروح إذا قويت تمكنت من دفع المرض بإذن الله -تعالى-. وحذر النبي -عليه الصلاة والسلام- كذلك من الغضب والحسد لما لهما من تأثير ومضار على الإنسان.

أكد الإسلام على أن العلاج النفسي جزء مهم من العلاج الصحي والجسدي، وعلاقة المسلم بربه وإيمانه به يزيد من قوته النفسية فيجعله أكثر هدوءاً. وكذلك الإيمان بالقَدَر يجعل المسلم مدركاً بأنه لا شيء يحدث إلا بأمر الله -تعالى- وأن أمره كله خير، وبهذا تسكن نفسه وتتحسن، ويصبح أكثر قدرة على مواجهة الأمراض النفسية والجسدية.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

استكشاف عالم الطب: نظرة شاملة

المقال التالي

استكشاف الطبيعة: جمالها، تأثيرها، وحمايتها

مقالات مشابهة