مقدمة عن فن الفسيفساء
يُعد فن الفسيفساء من أقدم الفنون الزخرفية التي عرفها الإنسان، حيث يعتمد على تجميع قطع صغيرة من مواد مختلفة مثل الزجاج الملون، أو الحجارة، أو الأصداف لتشكيل صور أو تصميمات فنية. تاريخيًا، استخدمت المواد المتاحة محليًا في صنع هذه القطع، مثل الأحجار والأصداف والعاج، مما أعطى كل عمل فني طابعًا فريدًا يعكس بيئته وثقافته.
الفسيفساء في الحضارة السومرية: البدايات الأولى
تعتبر الحضارة السومرية من أوائل الحضارات التي استخدمت الفسيفساء في تزيين المباني. قام السومريون باستخدام قطع صغيرة من الطوب أو الزجاج بأحجام مختلفة لإنشاء أشكال هندسية على الجدران. يُعد معبد الوركاء في مدينة بابل من أوائل الأمثلة على هذا الفن، حيث يمثل بداية استخدام الفسيفساء كعنصر زخرفي.
من بين الأمثلة المبكرة التي ساهمت في تطوير هذا الفن في بلاد ما بين النهرين، يمكن ذكر الأعمدة التي زينها السومريون بأسلوب مشابه للفسيفساء في مدينة أوروك في بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد. كما تعتبر جدارية مشخوشو الوحش، التي ترمز إلى الإله مردوك على بوابة عشتار في مدينة بابل، مثالًا آخر على هذا الفن.
الفسيفساء في الحضارة اليونانية: تطور الأساليب
في القرن الخامس قبل الميلاد، استخدم الإغريق الفسيفساء في تزيين أرضيات المنازل، حيث كانت تتكون من أشكال هندسية بسيطة بألوان فاتحة. بحلول نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، بدأ الإغريق في استخدام الألوان وشرائح الطين أو الرصاص لتحديد الخطوط العريضة للتصاميم.
في القرن الثالث قبل الميلاد، تطورت الفسيفساء في الحضارة اليونانية لتصبح فنًا قائمًا بذاته، حيث استخدمت في إنشاء لوحات تفصيلية ولوحات جدارية معاصرة. طور الإغريق في القرن الثاني قبل الميلاد قطعًا صغيرة عُرفت بالقطع الرمزية (باليونانية: emblemata)، وكانت عبارة عن فسيفساء صغيرة بمقاس 40 × 40 سم. استخدموا تقنيات تلوين وتظليل متطورة لإنشاء تأثير مشابه للرسم. هذه القطع كانت ذات قيمة كبيرة، حيث أُعيد استخدامها في أماكن وحضارات أخرى، وتوارثتها الأجيال.
الفسيفساء في الحضارة الرومانية: الزخرفة المعمارية
استخدم الرومان الفسيفساء في تزيين الجدران والنوافير والأرصفة والأرضيات. لم يختلف الرومان كثيرًا عن الأساليب والمواضيع التي استخدمها الإغريق، لكنهم أضافوا المزيد من الألوان والظلال، وقليلًا من الأعمال التصويرية. بعد انتشار المسيحية، أصبحت فسيفساء الجدران التصويرية أساسية في تزيين جدران وأسقف الكنائس.
استخدم الرومان أسلوبًا تمثيليًا ذا طابع ديني لتشكيل اللوحات في الكنائس، واستخدموا مواد باهظة الثمن مثل الذهب والأحجار الكريمة في تنفيذها. مثال على ذلك الجزء الداخلي من كنيسة القديس مارك، حيث غُطي بفسيفساء ذهبية متقنة. كما زُينت ردهة القديس مرقس بـ 110 منظر من مُنمنمات سفر التكوين القطني. ظهرت الفسيفساء الصغيرة في القرن الثامن عشر الميلادي، وهي عبارة عن صور صغيرة لمشاهد في أوروبا، مُنفذة باستخدام قطع صغيرة جدًا ومفصلة للغاية.
الفسيفساء في الحضارة البيزنطية: التألق والابتكار
تعتبر الفسيفساء سمة مهمة من سمات العمارة البيزنطية. ابتكر علماء الفسيفساء البيزنطيون أسلوبًا جديدًا لتشكيل الفسيفساء الزجاجية في الملاط اللاصق بزاوية حادة لعكس أكبر قدر من الضوء لإنشاء فسيفساء متلألئة. استخدمت الحضارة البيزنطية الفن التوراتي في الفسيفساء لتزيين الكنائس مثل كنيسة آيا صوفيا، والمباني في جميع أنحاء الإمبراطورية البيزنطية.
الفسيفساء في الحضارة الإسلامية: التعبير الهندسي
استخدمت الحضارة الإسلامية الفسيفساء في زخرفة المساجد، واُعتبرت من أشكال الزخرفة الرئيسية في الفن الإسلامي. وقد استخدم المسلمون التصاميم التجريدية والهندسية بدلًا من الأعمال التصويرية، باستخدام فسيفساء من الحجر والزجاج والسيراميك. من أشهر الأمثلة على الفسيفساء الإسلامية المسجد الكبير في قرطبة وقصر الحمراء في غرناطة.
المصادر
- “history-of-mosaics”,mosaicartgallery
- أبرنا قاسم مهدي الخفاف ،”مقدمة تاريخية عن الجداريات عبر العصور”،جامعة بابل
- Mark Cartwright (2/9/2019),”Mosaic”,world history emcyclopedia
- “Byzantine miniature mosaics”,smarthistory
- “Mosaics in the early Islamic world”,khanacademy