نبذة عن أبي القاسم الشابي

لمحة عن حياة وشعر أبي القاسم الشابي، وأهم المحطات في حياته، بالإضافة إلى أبرز الخصائص الأسلوبية في شعره وأهم أعماله الأدبية.

فهرس المحتويات

لمحة عن أبي القاسم الشابي

يُعتبر الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي من أبرز أعلام الأدب العربي الحديث، وبالأخص الأدب التونسي. يتميز شعره بتأثره بالروح الأندلسية، بالإضافة إلى اعتماده على طريقة فريدة في الشعر وهي استخدام الجمل المتوازية، الأمر الذي ساهم في إحياء هذا الأسلوب في التراث الأدبي العربي. كان الشابي يمتلك موهبة شعرية مكنته من التعبير عن مشاعره وأفكاره من خلال صور فنية رائعة وفريدة. لقد استطاع أن ينقل الجانب الإنساني الذي يحمله، وحبه العميق للحياة وعشقه لوطنه، من خلال أدبه وشعره. لم يكن شعره مجرد كلمات، بل كان وسيلة للتعبير عن آلام وطنه ومشاكله، ولم يخلُ شعره من الأمل والتفاؤل وحب الحياة.

مسيرة حياة أبي القاسم الشابي

الميلاد والتكوين العلمي

وُلد الشاعر أبو القاسم الشابي في مدينة الشابة التابعة لولاية توزر التونسية، وذلك في الرابع والعشرين من شهر شباط عام 1909 ميلادي. والده هو الشيخ محمد الشابي، الذي تخرج من الجامع الأزهر بعد دراسة استمرت سبع سنوات في بداية القرن العشرين، ثم أكمل دراسته في جامع الزيتونة الشهير في تونس، وحصل على شهادة التطويع التي كانت تُمنح لخريجي الجامع في ذلك الوقت. بعد انتهاء رحلته التعليمية، عمل الشيخ محمد الشابي في القضاء الشرعي في مختلف المدن التونسية. أما أبو القاسم الشابي، فكان في طفولته ينتقل مع والديه بحكم عمل والده. وقد ذكر في ديوانه “أغاني الحياة” أنه لم يزر بلدته الأم إلا مرتين: الأولى عندما خُتن وكان في الخامسة من عمره، والثانية كانت زيارة عادية.

تلقى الشابي تعليمه الأولي على يد والده، الذي أرسله فيما بعد إلى الكُتّاب في مدينة قابس. ثم التحق بجامع الزيتونة لإكمال دراسته عام 1920، وكان عمره آنذاك اثني عشر عاماً. كانت هذه فرصة سانحة له لتلقي العلوم، وخاصة العلوم الدينية، حيث بقي في الجامع سبع سنوات، خالط خلالها العديد من المثقفين والعلماء، وتعلّم منهم ودرس وطالع معهم. إلا أنه لم يكن راضياً عن عدم تقبل الناس لأفكاره في البيئة التي كان يعيش فيها. ومع ذلك، نجح في تكوين ثقافة عربية واسعة خاصة به، وكانت هذه الثقافة مزيجاً من التراث العربي في أزهى عصوره، والأدب الحديث الذي ازدهر في مصر والعراق وسوريا والمهجر. كما اطلع الشابي على الأدب الغربي من خلال ترجمات الدور العربية، لعدم إتقانه اللغات الأجنبية. أنهى دراسته في جامع الزيتونة في شهر حزيران عام 1927، وحصل على شهادة التطويع كوالده. وفي العام التالي، التحق أبو القاسم بالمدرسة التونسية للحقوق، وتخرج منها حاصلاً على إجازتها عام 1930.

السمات الأسلوبية في أشعار أبي القاسم الشابي

تميز شعر أبي القاسم الشابي بأسلوبين متكاملين: عمق المعاني وسهولة الألفاظ. فالمعاني العميقة ترتبط بالحياة والإنسان والمشاعر، أما سهولة الألفاظ فتتجلى في اختياره كلمات سلسة وقادرة على حمل مختلف المعاني، مما يضفي على شعره طابعاً قوياً تتداخل فيه المحسوسات. هذا الأمر جعله يهتم بالكلمة المفردة اهتماماً كبيراً، ليقرب من خلالها العبارات الغامضة والخيالية إلى مفردات رمزية بسيطة مصحوبة بمعنى عميق. وفيما يلي أبرز السمات التي تميز بها شعر الشابي:

أسلوب التكرار في شعره

يُعد التكرار من الأساليب الأدبية التي برزت عند أدباء العصر الحديث، رغم استخدامه قديماً في الشعر العربي. لا يكاد يخلو ديوان شعر حديث من هذه الظاهرة، وذلك لما يمنحه هذا الأسلوب من دلالات نفسية وفنية تدعم الحركة الإيقاعية والدلالية في الشعر. ولأسلوب التكرار صور وأشكال متعددة، وتجلى ذلك في شعر الشابي من خلال تكراره للكلام أو لأسلوب معين في قصائده، ويتضح ذلك فيما يلي:

تكرار الكلمة:

يظهر تكرار الكلمة في شعر أبي القاسم الشابي بكثرة، على نحو يوحي بأن الكلمة المكررة ما هي إلا صفة ملازمة له. ومثال ذلك كلمة (الكآبة) ومشتقاتها (كئيب، كآبتي،..) فقد وردت في قصيدة (أنا كئيب) 14 مرة، وفي ديوانه كاملاً حوالي 52 مرة. هذا التكرار يؤكد على شعور الشاعر بالوحدة والاغتراب. وفيما يلي مثال على ذلك:

أَنَا كَئِيبْ
أَنَا غَرِيبْ
كَآبتي خالَفَتْ نَظَائِرَهَا
غَرِيبَةٌ في عَوَالِمِ الحَزَنِ
كَآبتي فِكْرَةٌ مُغَرِّدَةٌ
مَجْهُولةٌ مِنْ مَسَامِعِ الزَّمَنِ

وفي قصيدة أخرى، يقول:

أنا طائرٌ مُتَغرِّدٌ مُتَرنِّمٌ
لكِنْ بصوتِ كآبتي وزَفيري
يَهْتاجُني صوتُ الطُّيورِ لأنَّهمُ
تدفِّقُ بِحَرارةٍ وطَهورِ

التكرار في بداية الأبيات:

يبعث هذا النوع من التكرار في نفس القارئ أن هناك فكرة معينة استولت على ذهن الشاعر، فكررها وأكد عليها في مطلع كل بيت، بالإضافة إلى ما يحمله هذا التكرار من ترابط فكري وموسيقي متناغم، وقد يحمل كذلك دلالات معينة بحسب المفردات الواردة فيه. وفي قصيدة له يكرر الفعل (كان) المصاحب لبدايات كل الأبيات، والذي يوحي بمدى الحزن والشوق والأسى الذي يحمله الشاعر، والأبيات هي:

كانَ في قلبيَ فَجْرٌ ونُجُومْ
وبِحارٌ لا تُغَشِّيها الغُيُومْ
وأَناشيدٌ وأَطْيارٌ تَحُومْ
وَرَبيعٌ مُشْرِقٌ حُلْوٌ جَميلْ
كانَ في قلبيَ صَبَاحٌ وإياهْ
وابتِساماتٌ ولكنْ واأَسَاهْ
آه مَا أَهولَ إعْصَارَ الحياة
آه مَا أَشقى قُلُوبَ النَّاسِ آه
كانَ في قلبيَ فجرٌ ونجومْ
فإذا الكلُّ ظلامٌ وسَدِيمْ

التكرار في الأسلوب:

هو استخدام أساليب معينة وتكرارها، ومن هذه الأساليب التي أكثر الشابي من استخدامها أسلوبي النداء والتمني. فالنداء يوحي بقرب الشاعر من الشيء الذي يتحدث عنه، وغالباً ما يحمل طابع النداء الحوار الذي يدور بين أبي القاسم وشعره، فيشكو له كل ما يجول في خاطره. أما بالنسبة لأسلوب التمني فيعتمد على ما يورده الشابي في قصيدته، فمثلاً في قصيدة (أيها الشعب ليتني كنت حطاباً) كان التمني يحمل مشاعر الغضب إزاء رضا الناس بحياة الذل والمهانة، فكان غرض التكرار في أسلوب التمني حينها إيصال مدى فقدانه للأمل من الشعب للتغيير. وفيما يلي مثال لتكرار أسلوب النداء:

يَا شِعْرُ أَنْتَ فَمُ الشُّعُورِ، وصَرْخَةُ الرُّوحِ الكَئيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ صَدَى نحيبِ، القَلْبِ والصَّبِّ الغَرِيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ مَدَامعٌ، عَلِقَتْ بأَهْدَابِ الحَيَاةْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ دَمٌ، تَفَجَّرَ مِنْ كُلُومِ الكائِناتِ
يَا شِعْرُ قَلْبي -مِثْلما تدري- شَقِيٌّ، مُظْلَمُ

تكرار الّلازمة:

يتمثل تكرار اللازمة من خلال اختيار شطر شعري أو بيت شعري كامل وتكراره على شكل فواصل بين فترة وأخرى تتبع في طولها وقصرها لطبيعة القصيدة ودرجة تأثير هذه اللازمة في بنيتها. وقد استخدم أبو القاسم الشابي هذا التكرار بشكل غير ثابت؛ لما كان يشعر به من اضطراب وقلق، فجمع بين تكرار الشطر مرة، والبيت كاملاً مرة أخرى، وفيما يلي مثال من قصيدة (يا موت قد مزقت صدري):

يا مَوْتُ قدْ مزَّقْتَ صَدْري
وقَصَمْت بالأَرزاءَ ظَهْرِي
ورمَيْتَني مِنْ حالقٍ
وسَخِرْتَ منِّي أَيَّ سُخْرِ
فلَبِثْتُ مرضوضَ الفؤادِ
أَجرُّ أجنحتي بذُعْرِي
يا مَوْتُ قَدْ مَزَّقْتَ صَدْري
وقَصَمْتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يا مَوْتُ ماذا تبتغِي منِّي
وقدْ مزَّقتَ صَدْرِي
ماذا تودُّ وأَنتَ قَدْ
سوَّدتَ بالأَحزانِ فِكْرِي
يا مَوْتُ قَدْ مزَّقتَ صدْرِي
وقصمتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يا مَوْتُ قَدْ شاعَ الفؤادُ
وأقفرتْ عَرَصَاتُ صدْرِي

استخدام أسلوب التضاد

هو استخدام الكلمات المتضادة في البيت الشعري الواحد. هذا الأسلوب يظهر جلياً في شعر أبي القاسم الشابي، ومن الموضوعات التي تناولها بهذه الطريقة: الحياة والموت، والماضي والحاضر. وغالباً ما كانت الأضداد الثنائية تعبر عن الفلسفات الوجودية التي يحملها الشاعر، بالإضافة إلى الصراعات الفلسفية والفكرية التي تتناولها الأبيات. وفيما يلي مثال من قصيدة (صبي الحياة الشقي العنيد):

صَبِيَّ الحَيَاةِ الشَّقِيَّ العنيدْ
أَلا قدْ ضَلَلْتَ الضَّلالَ البعيدْ
أَتُنشدُ صوتَ الحَيَاةِ الرخيمَ
وأَنتَ سجينٌ بهذا الوجودْ
وتَطْلُبُ وَرْدَ الصَّبَاحِ المخضَّبَ
مِنْ كفِّ حَقْلٍ جديب حَصِيدْ
إلى المَوْتِ إنْ شِئْتَ هَوْنَ الحياة،
فَخَلْفَ ظلامِ الرَّدى مَا تُرِيدْ
إلى المَوْتِ يا ابنَ الحَيَاةِ التعيسَ،
ففي الموتِ صَوْتُ الحَيَاةِ الرخيمْ

جمالية الاستعارة في شعره

تعرف الاستعارة بأنها أحد الأساليب اللغوية التي تخرج الألفاظ من المعاني الحرفية المرتبطة بها إلى معان أخرى أكثر عمقاً واتساعاً، مما يجعل هذه الألفاظ أكثر جذباً لفكر القارئ، على نحو يدفع إلى التفكير في المقاصد المرادة وراء استخدامها. ومن الأمثلة على ذلك تصوير الأمور المعنوية على هيئة أمور محسوسة لتشخيصها وإكسابها صفات إنسانية. وهذا ما عمد إليه أبو القاسم الشابي في شعره، ومن صور الاستعارة في شعره تصويره الحياة بأنها كأس ممتلئ بالماء، مع إعطاء الحب صفة بشرية وتصويره على أنه الساقي لهذا الكأس، وفي نفس القصيدة يعطي للموت صفة الإنسان الغاضب والغيور الذي لا يحب اكتمال الأفراح بين الأحبة. وفيما يلي الأبيات من قصيدة (كنا كزوجي طائر):

مَلأَ الهَوَى كأْسَ الحَيَاةِ لنا، وشَعْشَعَها الفُتونْ
حتَّى إِذا كِدْنا نُرَشِّفَ، خَمْرَها غَضِبَ المَنُونْ
فَتَخَطَّفَ الكأسَ الخلوبَ، وحطَّمَ الجامَ الثَّمينْ
وأَراقَ خَمْرَ الحُبِّ، في وادي الكآبَةِ والأَنينْ
وأَهابَ بالحُبِّ الوديعِ، فودَّعَ العُشَّ الأَمينْ

النزعة الرومانسية في شعر الشابي

تدعو الرومانسية باعتبارها مذهباً أدبياً قائماً على قواعد فلسفية ونقدية إلى الابتعاد عن قيود العقل والمنطق، والاهتمام بتحرير العاطفة والشعور. فالرومانسية كما يعدها النقاد طور من أطوار التطور الفكري الذي ظهر وبدأ بالانتشار في نهاية القرن الثامن عشر. وتوسع هذا المذهب بظهور بعض المدارس الأدبية التي تدعو إلى التحرر من تداول القافية الواحدة في الأدب، والابتعاد عن الكلمات الغريبة والصور التقليدية، بالإضافة إلى إعمال العاطفة والخيال والمشاعر لتكون القصيدة وحدة واحدة. ويجب الإشارة إلى أن هذا المذهب وجد طريقه إلى الأدب العربي بعد أن بدأ الأدباء العرب يضيقون ذرعاً بالأدب التقليدي الموروث خلال القرن التاسع عشر.

وتونس كانت من البلاد التي انتشرت فيها الرومانسية، وكان أبو القاسم الشابي من أبرز رواد هذا المذهب، حيث ساهم في انتشاره وتطوره، ليصبح أحد أعلام الرومانسية العربية. فقد عمل على تغيير الفكرة النمطية التي كانت تجعل من الشاعر مؤرخاً وقاصاً لأحداث عصره وعاداته وسلوكياته، فعمد إلى التركيز على مشاعر الشاعر وروحه وخياله، بالإضافة إلى الآلام التي يقاسيها وعمق ترجمتها في الشعر. وقد ذكر الشابي في شعره ما يؤكد هذه الفكرة فقال:

عِشْ بالشُّعورِ، وللشُّعورِ، فإنَّما
دنياكَ كونُ عواطفٍ وشعورِ

كما عني أبو القاسم الشابي بالجانب الوجداني في الشعر العربي، وذلك من خلال تركيزه على مواضيع معينة تجسد المذهب الرومانسي، ومن هذه الموضوعات:

الطبيعة:

يُعد الاهتمام بشعر الطبيعة قديماً عند أهل الأدب، إلا أن تصوير الطبيعة كان مقتصراً على الشكل الخارجي لها فقط. أما بعد ظهور مذهب الرومانسية أصبح التركيز على روحها وكينونتها، وعلى كيفية إسقاط الذات عليها، ليظهر الشاعر من خلالها أحزانه وآلامه. فأبو القاسم الشابي وصف الطبيعة ووظف مظاهرها المختلفة، مثل: العصافير والغابات والزنابق وغيرها لبث مشاعره وأسراره وهمومه، ومثال ذلك قوله:

لَيْسَ لي من شواغلِ العيشِ مَا يصرفنَفْسي عنِ استماع فؤادي
أرْقُبُ الموتَ والحياةَ وأصغي
لحديثِ الآزالِ والآبادِ
وأغنِّي مع البلابلِ في الغابِ
وأُصْغي إلى خريرِ الوادي
عيشةً للجمال والفنّ أبغيها
بعيداً عنْ أمَّتي وبلادي

المرأة والحب:

شغل موضوع الحب والمرأة حيزاً كبيراً من الأدب على مر العصور واختلاف الثقافات، ولأن المرأة كانت وما زالت الدافع الرئيسي الذي يثير مشاعر الحب، أصبح الشعراء ينظمون شعرهم فيها. إلا أن تركيزهم كان منصباً -في الغالب- على تصوير الجانب المادي من المرأة وما تتمتع به من جمال خارجي، دون الالتفات إلى ما يخفيه ذلك الجمال من خبايا روحية وصفات جميلة. فأتى المذهب الرومانسي ليركز على ما هو أبعد من الجسد، فرأى الشعراء العاطفة والخيال، وظهرت الأحاسيس في سردهم لحكايات الحب مع المرأة. وبالنسبة لأبي قاسم الشابي فقد كانت المرأة سلطانة شعره كما لم تكن في عهد ما، فرآها رمزاً للطهارة والسعادة والفرح، ووسيلة لإحلال السلام في هذا العالم، لدرجة وصفها بأنها ملك من السماء جاء ليخلص الناس ونفوسهم من شرورها، فيصورها بآلهة الجمال الروماني (فينيس)، لتكون المرأة في شعره محل التقديس والإجلال، وفيما يلي تمثيل من شعره على ذلك:

أيّ شيءٍ تُراكِ؟
هل أنت فينيـسُ تهادت بين الورى من جديد؟
لتعيد الشّباب والفرح المعـسول للعالم التّعيس العميد
أم ملاك الفردوس جاء إلى الأرض ليحيي روح السّلام العهيد

الإحساس بالألم والتشاؤم:

يُعد هذا الموضوع من الموضوعات التي ظهرت بشكل واضح في الأدب عامة، إلا أنه كان أكثر وضوحاً عند أصحاب المذهب الرومانسي، لاسيما عند أبي القاسم الشابي الذي تجلى من خلال ذكر آلامه الجسدية التي عانى منها خلال مرضه، وآلامه النفسية التي لحقت به جراء فقدان أبيه، وفراقه لمحبوبته، ومثال ذلك شعره الذي عبر فيه عن فقدان والده بوصفه للذكريات الخالدة بينهما، فكانت الأبيات مليئة بالحزن، ومثال ذلك قصيدته (يا موت قد مزقت صدري):

يا مَوْتُ قدْ مزَّقْتَ صَدْري
وقَصَمْت بالأَرزاءَ ظَهْرِي
ورمَيْتَني مِنْ حالقٍ
وسَخِرْتَ منِّي أَيَّ سُخْرِ
وفَجَعْتَني فيمَنْ أُحِبُّ
ومنْ إليهِ أَبُثُّ سرِّي
وأَعُدُّهُ فَجْرِي الجميلَ
إِذا ادْلَهَمَّ عليَّ دَهْري
وأَعُدُّهُ وَرْدِي ومِزْماري
وكَاسَاتي وخَمْرِي
وَرَزَأْتَني في عُمْدَتي
ومَشُورَتي في كلِّ أمْرِ

أهم إبداعات أبي القاسم الشابي

ترك أبو القاسم الشابي إرثاً أدبياً واسعاً من الكتب والقصص والروايات والمقالات على اختلافها، ويظهر من خلال هذه الأعمال تأثره بشعراء المهجر، مثل: جبران خليل جبران ونعيمة وإيليا أبو ماضي، بالإضافة إلى أدباء الشعر العربي القديم، مثل: أبو العلاء المعري وجميل بثينة، ولا يلغي هذا تأثره بأدباء الغرب، ومنهم: غوته ولامرتين. ويجب الإشارة إلى أن شعر الشابي تميز بتفرده؛ فقد كان شعراً جامعاً بين التمرد والتصوف في نفس الوقت، كما غلب على شعره الوطني والعاطفي طابع الحزن واليأس، ومن أكثر قصائده تداولاً قصيدة إرادة الحياة التي يقول في مطلعها “إذا الشعب يوماً أراد الحياة”. أما بالنسبة لأعماله ففيما يلي بعضها:

  • ديوان أغاني الحياة الذي مات قبل أن يقوم بطباعته، فطُبع بعد مماته.
  • كتاب الخيال الشعري عند العرب.
  • كتاب صفحات درامية، وهو عبارة عن قصة خيالية تدور حول حياته.
  • كتاب رسائل الشابي، وهذا الكتاب يضم الرسائل التي تداولها أبو القاسم الشابي مع الأدباء من مصر وتونس وسوريا.
  • كتاب يوميات الشابي، ويضم المذكرات اليومية الخاصة به.
  • رواية المقبرة.
  • كتاب جميل بثينة، وهو عبارة عن قصة صاغها الشابي بطريقته الشعرية.
  • كتاب شعراء المغرب الأقصى.
  • كتاب الهجرة المحمدية.
  • مسرحية السكير.

وفاة الشاعر

توفي الشاعر أبو القاسم الشابي في التاسع من شهر تشرين الأول لعام 1934، وكان ذلك إثر مرض قلبي عانى منه فترة شبابه، وهذا بعد أن أمضى حياته بين حزن وأسى صاحباه نتيجة لما مر به من اضطرابات، خاصة بعد وفاة والده، ثم موت حبيبته، وبذلك فارق الشابي الحياة عن عمر لا يتجاوز الثانية والعشرين.

وقد قال الشابي خلال مرضه أبياتاً يصف فيها حاله، فقال:

وأكلْنا التُّرابَ حتَّى مَلِلْنا
وشَربْنا الدُّموعَ حتَّى رَوِينا
ونَثَرْنا الأَحْلامَ والحبَّ والآلامَ واليأسَ والأَسى حيثُ شِينا
ثمَّ ماذا هذا أنا صرتُ في الدُّنيا بعيداً عن لهوِها وغِنَاها
في ظلامِ الفَنَاءِ أَدفُنُ أَيَّامي ولا أستطيعُ حتَّى بكاها
وزهورُ الحياة تهوي بِصَمْتٍ
محزنٍ مُضْجِرٍ على قدميَّا

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نبذة عن حياة أبي العتاهية

المقال التالي

نبذة عن حياة أبي نواس وشعره

مقالات مشابهة