موعظة حول حديث (إذا رأى أحدكم منكرًا)

تتضمن المقالة: تهيئة للموعظة، التأكيد على أهمية تقوى الله، الجزء الأول من الموعظة، الجزء الثاني، الدعاء، والمصادر. تبدأ بتقديم الحمد لله الذي بفضله اهتدى المهتدون.

تمهيد للموعظة

الحمد لله الذي بنعمته يهتدي السالكون، وبرحمته يفوز الفائزون، والذي جعل هذه الأمة خير الأمم، تأمر بالخير، وتنهى عن الشر، وتنشر الحق، وتدحض الباطل. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وصفيه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التأكيد على تقوى الله

أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي الضعيفة بتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، وأحذركم ونفسي من معصيته ومخالفة أمره، فالنجاة كل النجاة في تقوى الله. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).

الجزء الأول من الموعظة

أيها الإخوة، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما أساس استقامة المجتمع وصلاحه، وعلامة على فضل الأمة الإسلامية وتميزها. قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

وقد أثنى الله عز وجل على من يقوم بهذه المهمة بإخلاص وأمانة، فقال سبحانه وتعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يترتب عليه من عواقب وخيمة. فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم).

اعلموا يا عباد الله أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر درجات ومستويات بينها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

فيكون الإنكار مرة بالقلب، ومرة باللسان، ومرة باليد، وكل بحسب قدرته وضوابطه الشرعية.

أما إنكار المنكر بالقلب فهو واجب على كل مسلم ولا عذر لأحد في تركه، لأنه أضعف الإيمان ولا يلحق المسلم منه ضرر. وقيل لابن مسعود رضي الله عنه: من ميت الأحياء؟ فقال: “الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً”.

أما إنكار المنكر باليد فله شروط وأحكام، ولا يجوز لكل أحد أن يغير بيده إلا في حدود مسؤوليته، كالأب في بيته، والمسؤول في عمله، وولي الأمر في رعيته. وينبغي أن يسبق التغيير باليد نصح وإرشاد وتوجيه، وليس سلطة مطلقة تمارس بالقسوة والعنف، قال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).

إن الأمر بالمعروف مهمة عظيمة ومسؤولية كبيرة، يؤديها المسلم بقدر علمه، فلا يتجاوز حدوده فيما لا يعلم، وبقدر استطاعته، فلا يكلف نفسه ما لا يطيق. وعلى المسلم أن يوازن بين المصالح والمفاسد عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فإذا غلب على ظنه أن الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر سيؤدي إلى ضرر أكبر، فليتركه حتى تزول أسباب الضرر. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر”.

أستغفر الله لي ولكم.

الجزء الثاني من الموعظة

الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريق الأنبياء والمصلحين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، المبعوث رحمة للعالمين وإماماً للمتقين. أما بعد:

أوصي نفسي وإياكم بالحرص على أن نكون من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اقتداء بالأنبياء في إقامة الدين ونشر الدعوة والهداية، واستجابة لأمر الله تعالى: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

وإذا تعذر ذلك في وقت ما لسبب ما، فلا أقل من أن نذكر الدعاة بالخير وندعو لهم بالتوفيق والسداد، وأن يفتح الله على أيديهم قلوب العباد.

وحذار من الإساءة لكل جهد مخلص يهدف إلى نشر القيم الحميدة في المجتمع وإصلاح ما أفسده المفسدون.

يقول الشاعر:

لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ *** فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ

الدعاء

(اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ).

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأعنا يا رب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اللهم أصلح شباب وفتيات المسلمين، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

اللهم وفق دعاة المسلمين، ووحد صفهم، واجمعهم على كلمة التقوى، واجعلهم أحق بها وأهلها.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.

المراجع

  1. أبومحمد التميمي،الخطب المنبرية، الرياض السعودية:جامعة الإمام محمد بن سعود، صفحة 5، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة النساء ، آية:1
  3. سورة آل عمران، آية:110
  4. سورة آل عمران، آية:104
  5. رواه محمد الترمذي، في سنن الترمذي، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:2169، حديث صحيح.
  6. رواه مسلم بن الحجاج، في صحيح مسلم، عن أبو بكر، الصفحة أو الرقم:49، حديث صحيح.
  7. أبتقي الدين بن تيمية (1418)،https://shamela.ws/book/30903/8#p1 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية:وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، صفحة 10 11، جزء 1. بتصرّف.
  8. سورة آل عمران، آية:59
  9. محمد الأرمي (1430)،الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم(الطبعة 1)، مكة المكرمة:دار المنهاج، صفحة 403، جزء 2. بتصرّف.
  10. أبتقي الدين بن تيمية (1418)،الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية:وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 10 11 12 ، جزء 1. بتصرّف.
  11. سورة يوسف، آية:108
  12. رواه أحمد البيهقي، في الدعوات الكبير، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:237، صححه الذهبي.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تأملات في الحديث الشريف: وصية النبي بالنساء

المقال التالي

تأملات في الحديث القدسي: من آذى لي وليا

مقالات مشابهة