مقدمة
يتناول هذا التحليل المقارن دراسة متعمقة لعلمين من العلوم الإنسانية المؤثرة، وهما علم الكلام والفلسفة. يهدف إلى توضيح الفروقات الجوهرية بينهما، مع إبراز النقاط المشتركة التي قد تجمعهما. تعتبر هذه المقارنة ضرورية لفهم أفضل للتراث الفكري الإسلامي والغربي، وكيفية تأثير كل منهما على تطور الفكر البشري.
تعريفات أساسية
مفهوم علم الكلام
يعرف علم الكلام بأنه العلم الذي يهدف إلى إثبات الحقائق الدينية بالاعتماد على الأدلة العقلية والبراهين المنطقية. يركز هذا العلم على المسائل المتعلقة بالعقيدة والإيمان، ويسعى إلى الدفاع عن الدين ضد الشبهات والانتقادات. بحسب تعريف عضد الدين الإيجي أنه العلم الذي يبحث في كيفية إثبات العقائد الدينية بإيراد الحج العقلية، والبراهين، وهنا يقصد بالعقائد ما يقع في النفس دون العمل، وفي الدين الإسلامي هي العقيدة التي نسبت إلى النبي الكرم محمد.
وقد قدم الغزالي تعريفًا آخر لعلم الكلام، حيث اعتبره العلم الذي يهدف إلى حفظ العقيدة وحمايتها من التحريف والتشويه. هذا التعريف يركز على الجانب الدفاعي لعلم الكلام، ودوره في التصدي للأفكار المخالفة.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحديد: 25).
مفهوم الفلسفة
كلمة “فلسفة” مشتقة من اللغة اليونانية، وتعني “محبة الحكمة”. تعرف الفلسفة بأنها البحث عن الحقائق الأساسية للوجود والمعرفة والقيم. تسعى الفلسفة إلى فهم العالم والإنسان من خلال التفكير النقدي والتحليل المنطقي.
عرفها أرسطو بأنها علم الأسباب القصوى، أي أسباب الوجود والعلل الأولى له، وهي علم الوجود بما هو موجود، وأخذ ابن سينا بهذا المفهوم لكنه أضاف بأنها الوقوف على حقائق الأشياء بقدر ما يستطيع الإنسان أن يقف.
تنقسم الفلسفة إلى قسمين رئيسيين: الفلسفة النظرية التي تهتم بدراسة الميتافيزيقا والوجود، والفلسفة العملية التي تهتم بدراسة الأخلاق والسياسة.
نطاقات البحث
مجالات علم الكلام
تركز مباحث علم الكلام على قضايا العقيدة والإيمان، مثل وجود الله وصفاته، والنبوة، والمعاد، والقضاء والقدر. كما تتناول قضايا تتعلق بالإمامة والخلافة، وهي قضايا ذات بعد سياسي وتاريخي.
من أهم القضايا التي تناولها علم الكلام الإسلامي الإمامة والمسؤولية الإنسانية لأفعال الإنسان.
ورد في الحديث النبوي الشريف: “الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ” (صحيح مسلم).
مجالات الفلسفة
تغطي الفلسفة مجموعة واسعة من الموضوعات، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة مباحث رئيسية:
- المبحث الوجودي (الأنطولوجيا): يهتم بدراسة الوجود وماهيته، ويعتبر المبحث الرئيسي في الفلسفة.
- المبحث القيمي (الأكسيولوجيا): يهتم بدراسة القيم والمفاهيم الأخلاقية والجمالية، مثل الخير والشر والجمال والقبح.
- المبحث المعرفي (الأبستيمولوجيا): يهتم بدراسة المعرفة وطرق اكتسابها، ويناقش قضايا مثل طبيعة المعرفة ومصادرها وحدودها.
الرابط بين علم الكلام والفلسفة
يمكن اعتبار علم الكلام فرعًا من الفلسفة، وذلك لتأثر العديد من علماء الكلام بالفلسفة اليونانية القديمة. استفاد علماء الكلام من الترجمات والفلسفة الأرسطية والمنطق، مما أدى إلى ظهور نزعة عقلانية في الفكر الكلامي. ويتجلى ذلك بوضوح في كتابات المعتزلة.
المراجع
- عبدالرحمن الإيجي،المواقف في علم الكلام، صفحة 7. بتصرّف.
- محمد العمري،علم الكلام بين الأصالة والتجديد، صفحة 2. بتصرّف.
- أبتجميل صليبا ،معجم الفلسفة، صفحة 160. بتصرّف.
- أبسميح دغيم ،فسلفة القدر في فكر المعتزلة، صفحة 7-10. بتصرّف.