توضيح معنى الاتفاق
يتم تعريف الاتفاق لغة واصطلاحا على النحو التالي:
الاتفاق في اللغة:
الاتفاق مشتق من كلمة “أجمع”، وهي كلمة لها معنيان في اللغة العربية: الأول هو العزم. على سبيل المثال، يقال “أجمع أمره” أي عقد العزم على القيام به. وقد ذكرت كلمة الإجماع بهذا المعنى في القرآن الكريم. قال الله تعالى: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ). أما المعنى الثاني فهو: وافق. إذا اتفق الناس على شيء ما، فإنهم يتفقون عليه. يجب أن يكون هناك أكثر من شخص واحد متورط في هذه الصفقة. لأنه لا يمكن أن يتم ذلك من قبل شخص واحد فقط. يجمع الاتفاق بين فكرتي العزم والاتفاق لأنه عندما يتفق المرء على شيء ما، فإنه يعقد العزم على القيام به.
الاتفاق في الاصطلاح:
هو توافق علماء وأئمة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على مسألة ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في أي عصر من العصور. وبناء على ذلك، فإن الاتفاق لا يتم إلا من قبل أصحاب الحل والعقد الذين يدرسون أحكام الشريعة. ولا يجوز أن يكون من عامة الناس. يجب أن يكون المجتهدون من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، لذلك لا يجوز للمسيحيين أن يتفقوا على مسائل دينية. وبالمثل، لا يمكن إبرام الاتفاق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس هناك حاجة إليه في ذلك الوقت.
فالاتفاق صحيح بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. كما أن الاتفاق لا يقع على الأمور المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية. أما ما يقصد به في التعريف “على أمر من الأمور” فهو أن الاتفاق يقع في الأمور العقلية والشرعية والعرفية واللغوية. وينعقد الاتفاق في جميع العصور عدا عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وجد المجتهدون ولا يقتصر على عصر الصحابة أو التابعين.
الأدلة الشرعية على قيمة الاتفاق
يعتبر الاتفاق هو المصدر الثالث من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم والسنة النبوية. إنه دليل قاطع للمسلمين ويجب العمل به.
ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً). حيث أن الله تعالى توعد في الآية الكريمة من يتبع غير سبيل المؤمنين، مما يدل على أن اتباع المؤمنين واجب ومخالفتهم محرمة، وسبيل المؤمنين في الآية يقصد به ما اتفق عليه المؤمنون والتزموا به.
كما وردت أحاديث شريفة كثيرة بروايات مختلفة تدل على أن الأمة الإسلامية معصومة من الوقوع في الخطأ وأنها لا تجتمع على ضلالة. ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمِعُ أمَّتي على ضلالةٍ). وقوله -عليه الصّلاة والسّلام-: (مَن فارَق الجماعةَ شِبْرًا فقد خلَع رِبْقةَ الإسلامِ مِن عُنُقِهِ)، مما يدلّ على وجوب العمل بالإجماع.
كذلك قول الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إذا سُئل أحدُكم عن شيءٍ فلينظُرْ في كتابِ اللهِ فإن لم يجِدْه في كتابِ اللهِ فلينظُرْ في سنَّةِ رسولِ اللهِ، فإن لم يجِدْه في كتابِ اللهِ ولا في سنَّةِ رسولِ اللهِ فلينظُرْ فيما اجتمع عليه المسلمون)، وهذا دليل صريح على حجية الاتفاق. ويستدل بهذا الحديث أغلب الأصوليين في علم أصول الفقه.
إن توافق الآراء الكثيرة وتوحدها واجتماعها من أهل العلم والخبرة يستحيل أن تكون قد اجتمعت على خطأ. لأنها صدرت عن مجموعة وليس عن شخص واحد.
متطلبات صحة الاتفاق
يشترط لقيام الاتفاق عدة شروط:
- أن يكون الاتفاق من المجتهدين، فلا يصح اتفاق عامة الناس على حكم شرعي.
- أن يكون الاتفاق من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ولا يصح اتفاق غير المسلمين على أحكام تخص المسلمين، كما يشترط بعض الفقهاء في المجتهد العدالة إضافة إلى الإسلام، وألا يكون مبتدعاً.
- أن يكون الاتفاق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم في عصره يعتبر هو المشرع بعد كتاب الله تعالى.
- أن يتفق جميع المجتهدين على رأي واحد. فلو خالف بعض المجتهدين لا يصح الاتفاق ولا ينعقد، حتى لو خالف مجتهد واحد. وجمهور الفقهاء والمجتهدين المعتبر اتفاقهم هم الموجودون في وقت وقوع الحادثة والمسألة، ولا عبرة بمجتهدي المستقبل حينئذ.
- أن يكون جميع المجتهدين من أهل الفن والاختصاص. فلو كان الاتفاق في اللغة وجب اتفاق اللغويين. ولو كان في النحو وجب اتفاق النحويين. وكذلك الاتفاق في أحكام الفقه لا يكون إلا من أهل الفقه، وفي مسائل الأصول العبرة باتفاق الأصوليين.
- أن يكون الاتفاق صادراً عن مستند شرعي كنص صريح من الكتاب أو السنة النبوية أو اتفاق قبله أو القياس، كي لا تكون الأحكام صادرة عن هوى.
أصناف الاتفاق
الاتفاق نوعان:
- الاتفاق الصريح: وهو اتفاق جميع المجتهدين على حكم مسألة معينة، وأن يبدي كل مجتهد رأيه بصراحة، وتكون آراؤهم كلها متفقة على قول واحد، والاتفاق الصريح حجة ويعمل به. ومن أمثلة ذلك: ما اتفق عليه جميع الصحابة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أن الزاني إن كان جاهلا بحكم الزنا فإنه لا يقام عليه الحد.
- الاتفاق السكوتي: وهو أن يعطي بعض المجتهدين رأيهم في مسألة ويسكت عنها الباقي بعد أن يبلغهم حكمها، فلا يظهر من سكوتهم موافقتهم أو إنكارهم. أما حجيته فقد تعددت آراء الفقهاء فيها.
نماذج لمسائل متفق عليها
أجمع علماء الأمة الإسلامية على الكثير من الأمور العقلية والعقدية والأصولية والفقهية والأمثلة عليها كثيرة جداً لا حصر لها ومنها:
- الاتفاق في المسائل العقدية: وكل من يخالف هذا الاتفاق يخرج عن الملة. ومنها: الاتفاق على وحدانية الله تعالى وأنه لا شريك له، وأنه خالق هذا الكون. والاتفاق على أن النبوة حق وأن الأنبياء جميعهم مبعوثون من الله تعالى وأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
- الاتفاق في علم أصول الفقه: ومن أمثلة المسائل الأصولية المتفق عليها: اتفاق الأصوليين على أن القياس حجة وأن خبر الواحد حجة ومعمول به.
- الاتفاق في المسائل الفقهية: هناك مسائل فقهية قطعية الثبوت أي التي ورد بها نص صريح وثابت فالكثير منها أجمع عليه علماء الأمة كإجماعهم على وجوب الصلاة ووجوب الزكاة والإجماع على وجوب صوم شهر رمضان المبارك ووجوب الحج.
المراجع
- سورة يونس، آية: 71.
- أبتشهاب الدين القرافي (1995م)،نفائس الأصول في شرح المحصول(الطبعة الأولى)، مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 2543-2544، جزء 6. بتصرّف.
- أبتبدر الدين الزركشي (1994م)،البحر المحيط في أصول الفقه(الطبعة الأولى)، دار الكتبي، صفحة 379، جزء 6. بتصرّف.
- أبتمحمد هيتو،الوجيز في أصول الفقه(الطبعة الثالثة)، صفحة 241-243. بتصرّف.
- سورة النساء، آية: 115.
- أبأبو المظفر السمعاني (1999م)،قواطع الأدلة في الأصول(الطبعة الأولى)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 466-468، جزء 1. بتصرّف.
- رواه ابن الملقن، في شرح البخاري لابن الملقن، الصفحة أو الرقم: 3/350، ضعيف.
- رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 4758، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
- أبو إسحاق الشيرازي (2003م)،اللمع في أصول الفقه(الطبعة الثانية)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 87-88. بتصرّف.
- رواه ابن حجر العسقلاني، في موافقة الخبر الخبر، عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، الصفحة أو الرقم: 1/119، موقوف صحيح.
- سعيد فودة (2014م)،حاشية على المحلي على شرح الورقات(الطبعة الأولى)، الأردن، النّور المبين للنشر والتوزيع، صفحة 130-131. بتصرّف.
- تقي الدين السبكي (1995م)،الإبهاج في شرح المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 364، جزء 2. بتصرّف.
- أبمحمد زهير،أصول الفقه، مصر، المكتبة الأزهرية، صفحة 170-172، جزء 3. بتصرّف.
- أبعلي جمعة (2001م)،كتاب المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية(الطبعة الثانية)، القاهرة، دار السلام، صفحة 310. بتصرّف.
- أبتمحمد عبد الغفار،تيسير أصول الفقه للمبتدئين، صفحة 7، جزء 9. بتصرّف.
- أبو الحسن الأشعري (2005م)،كتاب مقالات الإسلاميين ت زرزور(الطبعة الأولى)، المكتبة العصرية، صفحة 135، جزء 1. بتصرّف.
- ابن حزم الظاهري،مراتب الإجماع، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 167-174. بتصرّف.
- أبمحمد الزحيلي (2006م)،الوجيز في أصول الفقه الإسلامي(الطبعة الثانية)، سوريا، دار الخير، صفحة 322، جزء 2. بتصرّف.