معنى الآية الكريمة (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وفضل التقوى

تحليل وتوضيح لمعنى الآية الكريمة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). استكشاف مفهوم التقوى وأهميته، والروايات المفسرة للآية، وأسباب نزولها.

تفسير الآية (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)

جاءت الآية الكريمة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ضمن الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات، وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

توضح الآية أن المقياس الحقيقي للتفاضل بين البشر هو التقوى، فالأكثر تقوى هو الأكرم والأفضل عند الله، وليس النسب أو الثروة أو الجاه. وقد ذكر الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية أن “أكرم الناس عند الله هو الأكثر اتقاءً له، وذلك بأداء ما أوجبه الله واجتناب ما نهى عنه، وليس صاحب المنزلة الأكبر أو العشيرة الأوسع”.

في الأصل، الناس متساوون لأنهم جميعًا من آدم وحواء. لكن الله تعالى فضل بعضهم على بعض بالتقوى، وهي الصفة التي تؤثر في تهذيب النفوس وتحسين الأخلاق.

مع ذلك، يجب الانتباه إلى أن هذا لا ينفي وجود تفاضل بين الناس في الدنيا في جوانب مثل الأصل، والمكانة العلمية، والسمعة الطيبة. هذا النوع من التمييز يأتي في المرتبة الثانية بعد تحقيق التقوى. قال تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).

ما هو مفهوم التقوى الحقيقي؟

التقوى هي زاد الآخرة الذي حض الله عليه عباده، مصداقًا لقوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى). فمن اتصف بالتقوى نال مكانة عظيمة عند الله وارتفع شأنه بين الناس. ولكن ما هي التقوى التي أمرنا الله بها؟ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ).

في اللغة، التقوى تعني جعل الشيء وقاية من شيء آخر، وتجنب المحذور. أما في الشرع، فالتقوى هي الالتزام بحدود الله في الأمر والنهي، والاتصاف بما أمر به الله والتنزه عما نهى عنه.

وقد وصف ابن مسعود رضي الله عنه التقوى بقوله: “أن يطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر”. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: “لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر”.

روايات في شرح الآية

وردت العديد من الروايات التي تفسر هذه الآية الكريمة، منها:

  • قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

  • قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى).

  • قال ابن عباس رضي الله عنهما: “لا أرى أحدا يعمل بهذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ)، حتى بلغ: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فيقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك، فليس أحد أكرم من أحد إلا بتقوى الله”.

الظروف التي أدت إلى نزول الآية

ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية نزلت في ثابت بن قيس، عندما عيّر رجلاً بأمه لأنه لم يفسح له في المجلس. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: “من الذاكر فلانة؟” فقال ثابت: “أنا يا نبي الله”. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “انظر في وجوه القوم”، فنظر، فقال عليه الصلاة والسلام: “ما رأيت يا ثابت؟”، قال: “رأيت أبيض وأحمر وأسود”، قال عليه الصلاة والسلام: “فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى”.

وقيل أيضًا أن الآية نزلت في بلال رضي الله عنه، عندما أمره النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بأن يصعد على الكعبة ويؤذن. فاعترض بعض الناس على ذلك، فأنزل الله هذه الآية.

المراجع

  • سورة الحجرات، آية: 13
  • محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن
  • سورة النجم، آية: 32
  • سورة البقرة، آية: 197
  • سورة آل عمران، آية: 102
  • إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات ، حامد عبد القادر، وآخرون، المعجم الوسيط
  • محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن
  • محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط
  • محمد ابن إسماعيل البخاري ، صحيح البخاري
  • الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عمر
  • الألباني، في غاية المرام، عن جابر بن عبد الله
  • محمد بن إسماعيل البخاري ، الأدب المفرد
  • الحسين بن مسعود البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرءان الكريم
  • علاء الدين بن محمد الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

معنى ودلالات الآية الكريمة (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)

المقال التالي

تدبرات في الآية الكريمة: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ)

مقالات مشابهة