جدول المحتويات:
تأملات في الآية (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)
تتضمن الآية الكريمة دلالات عظيمة، وهي قوله تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا). هذه الآية بمثابة رسالة طمأنينة للمؤمنين بأن كل ما يقع عليهم من خير أو شر هو بقضاء الله وقدره. إنها توجيه من الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغها للناس، مؤكدًا أن مصيرهم بيد الله وحده، وأنهم في رعايته وحفظه.
إن الإيمان بهذه الحقيقة يمنح المسلم قوة وثباتًا في مواجهة تحديات الحياة. فهو يعلم أن لا شيء يحدث إلا بإذن الله، وأن الله هو المولى والنصير، ونعم الوكيل. هذا الاعتقاد يحرر الإنسان من الخوف والقلق، ويجعله أكثر جرأة وإقدامًا في سبيل الحق.
كما أن في هذه الآية ردًا على من يظنون أنهم قادرون على الفرار من القدر أو تغييره. فالله هو القادر على كل شيء، ولا راد لقضائه. فليطمئن قلب المؤمن وليتوكل على الله في كل أموره.
صلة الآية بالسياق السابق
تأتي هذه الآية الكريمة عقب قوله تعالى: (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ). هذه الآية تصور حال المنافقين الذين يفرحون بمصائب المؤمنين ويحاولون إظهار أنهم كانوا على حذر منها.
فجاءت الآية (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا) بمثابة رد قاطع على هذا الزعم الباطل. إنها تؤكد أن كل ما يصيب المؤمنين هو من عند الله، وأن المنافقين ليسوا قادرين على تغيير شيء من قدر الله. هذا الربط بين الآيات يوضح أن الإيمان بالقدر هو جزء أساسي من عقيدة المسلم، وأنه يمنحه الثبات والقوة في مواجهة الشدائد.
دروس مستفادة من الآية (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)
إن التأمل في هذه الآية الكريمة يفتح لنا آفاقًا واسعة من الفهم والإدراك. فهي تحمل في طياتها العديد من الدروس والفوائد التي يمكن للمسلم أن يستنبطها ويطبقها في حياته اليومية، ومن هذه الفوائد:
- التوكل على الله والثقة به: هذه الآية تعلمنا أن نتوكل على الله في جميع أمورنا، وأن نثق بأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه لنا. هذا التوكل يحررنا من الخوف والقلق، ويجعلنا أكثر اطمئنانًا وثباتًا.
- السعي في الرزق دون قلق: عندما يؤمن المسلم بأن رزقه مقسوم ومقدر، فإنه يسعى في طلبه دون قلق أو توتر. فهو يعلم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأن الله لن يضيعه.
- تحمل المصائب والصبر على الشدائد: الإيمان بالقدر يمنح المسلم القدرة على تحمل المصائب والصبر على الشدائد. فهو يعلم أن هذه المصائب هي ابتلاء من الله، وأن الله يختبر بها صبره وإيمانه.
- عدم الاستسلام والعمل الجاد: هذه الآية لا تعني الاستسلام والقعود عن العمل. بل هي تعني السعي الجاد والعمل الدؤوب مع التوكل على الله. فالمسلم يسعى في سبيل رزقه وآخرته، وهو يعلم أن الله لن يضيع عمله. وقد قال الله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى).
- التوكل مع الأخذ بالأسباب: يجب على المسلم أن يجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب. فهو يسعى في سبيل تحقيق أهدافه، ويتخذ جميع الإجراءات اللازمة، ثم يتوكل على الله ويسأله التوفيق والسداد.
باختصار، هذه الآية الكريمة تعلمنا أن نكون مسلمين أقوياء، نثق بالله ونتوكل عليه، ونسعى في سبيل الخير، ونتحمل المصائب بصبر وثبات. هذا هو جوهر الإيمان، وهذا هو طريق السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.
المصادر
- سورة التوبة، الآية 51
- ابن كثير، تفسير ابن كثير، بتصرف.
- سورة التوبة، الآية 50
- الدرر السنية، موسوعة التفسير – سورة التوبة.
- سورة النجم، الآية 39