مخاطر تدهور جودة المياه البحرية

استكشاف مفهوم تدهور جودة المياه البحرية، وأنواعه وأسبابه المختلفة، بما في ذلك التلوث الطبيعي والبلاستيكي والكيميائي. نظرة شاملة على التأثيرات البيئية والاقتصادية والصحية، بالإضافة إلى الحلول الممكنة.

مقدمة عن تدهور جودة المياه

يشير مصطلح تدهور جودة المياه البحرية إلى إدخال ملوثات ومخلفات متنوعة إلى البيئة البحرية، مما يؤدي إلى تغيير في الخصائص الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للمياه. هذه التغييرات تلحق أضرارًا بالغة بالنظام البيئي البحري، وتؤثر سلبًا على صحة الإنسان والاقتصاد. إن وصول النفايات البشرية إلى البحار يفاقم من حدة هذه المشكلة، ويدمر مواطن الكائنات البحرية، مما يؤدي إلى نفوقها.

تصل المخلفات البلاستيكية إلى البحار عبر مياه الأمطار التي تجرفها من المدن الساحلية، وتشكل تهديدًا كبيرًا على الحياة البحرية. تقدر كمية المخلفات البلاستيكية التي تدخل المحيطات بحوالي 500 مليون طن سنويًا، وتتفتت هذه المخلفات إلى جزيئات صغيرة تلتهمها الكائنات البحرية. تشير التقديرات إلى أن هذه المخلفات تتسبب في موت مليون طائر بحري سنويًا، بالإضافة إلى عدد كبير من السلاحف. كما تشكل هذه المخلفات خطرًا على صحة الإنسان، حيث تقدر نسبة تلوث مياه البحار الناتج عن اليابسة بحوالي 80%.

أشكال تدهور جودة المياه وأسبابها

تتعدد أشكال تدهور جودة المياه البحرية، وتتنوع مصادرها، ومن أبرزها:

تدهور جودة المياه الطبيعي

التدهور الطبيعي لجودة المياه هو ذاك الذي ليس له مصدر واضح ومحدد، بل هو نتيجة لتراكم تصرفات فردية خاطئة. يتسبب التخلص غير السليم من بعض المواد، مثل الشحوم والزيوت والنفايات ومخلفات الحيوانات، في نقل الملوثات إلى مياه البحار عبر مصارف مياه الأمطار. كما تساهم بعض الظواهر الطبيعية في هذا التدهور، حيث تحمل مياه الأمطار الأوساخ والملوثات أثناء جريانها.

التدهور الناتج عن المواد البلاستيكية

ينتج هذا النوع من التدهور عن تدفق المياه المحملة بالنفايات البلاستيكية من الشواطئ، بالإضافة إلى شباك الصيد المهملة وغيرها من المخلفات. غالبًا ما تعجز الكائنات البحرية عن التمييز بين البلاستيك والطعام، فتتغذى عليه عن طريق الخطأ. وقد تبين أن الشعاب المرجانية تتغذى على البلاستيك، وأن الثدييات البحرية النافقة على الشواطئ تحتوي على كميات كبيرة من البلاستيك في جوفها. تجدر الإشارة إلى أن المخلفات البلاستيكية قد تستمر في تلويث البيئة لمئات السنين.

التدهور الكيميائي

ينتج التدهور الكيميائي عن الأنشطة البشرية، وخاصة الصناعية والزراعية. يؤدي استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية في المزارع إلى تدفق المواد الكيميائية إلى المحيطات عبر المجاري المائية. تزيد هذه المواد، مثل الفسفور والنيتروجين، من نمو الطحالب، بما في ذلك الطحالب السامة، مما يؤثر سلبًا على الحياة البحرية.

التدهور البيولوجي

قد ينتج التدهور البيولوجي عن عدة عوامل، أبرزها التخثث، وهي عملية تتزايد فيها المغذيات الذائبة في الماء، مما يعجز الأخير عن تنقية نفسه. يؤدي ذلك إلى تكاثر البكتيريا والنباتات المستنفدة للأكسجين، مما يقلل من نسبته في البيئة المائية ويؤثر سلبًا على الحياة البحرية.

التدهور النفطي

يشير التدهور النفطي إلى التلوث الناتج عن تسربات النفط ومشتقاته، سواء من السيارات والشاحنات أو من ناقلات النفط التي تعبر البحار والمحيطات. يؤثر النفط بشكل سلبي للغاية على الكائنات البحرية والطيور، وتبقى آثاره مدمرة حتى بعد اختفاء العلامات الظاهرة للتسرب، حيث تلحق أضرارًا اقتصادية وسياحية طويلة الأجل.

التدهور الإشعاعي

ينتج التدهور الإشعاعي عن أي إشعاع يزيد عن المعدل الطبيعي، سواء من محطات الطاقة النووية، أو عمليات تعدين اليورانيوم، أو التجارب على الأسلحة العسكرية، أو المواد المشعة المستخدمة في المستشفيات والجامعات. يصعب التخلص من هذه الأشعة، حيث تبقى في البيئة لآلاف السنين.

التدهور الضوئي

مع انتشار الضوء الاصطناعي في كل مكان، ظهرت مشكلة التدهور الضوئي في البحار، حيث يؤثر الضوء على الإشارات الطبيعية المرتبطة بالساعات البيولوجية للكائنات البحرية، ويعطل مواعيد التغذية والهجرة والتكاثر.

التدهور السمعي

التدهور السمعي هو تلوث غير مرئي، ينتج عن زيادة الأصوات وارتفاعها في البحار والمحيطات، سواء من منصات النفط أو السفن أو أجهزة السونار. يؤدي ذلك إلى خلل في الضوضاء الطبيعية، مما يعطل الاتصالات وأنماط التواصل والتكاثر للعديد من الكائنات البحرية، مثل الحيتان التي تعتمد على الصدى في تحديد الموقع.

آثار تدهور جودة المياه

لتدهور جودة المياه آثار سلبية واسعة النطاق على صحة الإنسان والحياة البحرية والاقتصاد:

على صحة الإنسان

يؤدي تسرب المبيدات الحشرية والزئبق والمواد الكيميائية الأخرى إلى مياه البحار، ووصولها إلى الأسماك والكائنات البحرية التي يتناولها الإنسان، إلى الإصابة بأمراض مختلفة، مثل تلف الجهاز العصبي والكلى، بالإضافة إلى الأمراض الهرمونية والتناسلية. كما أن تحول الزئبق إلى مركبات سامة في السلسلة الغذائية يتسبب في أمراض الرعاش والزهايمر وأمراض القلب والطفح الجلدي وآلام المعدة والإسهال.

“ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (الروم، 41)

على الحياة البحرية

تتأثر أنماط تكاثر العديد من الكائنات البحرية وسلوكها بالمخلفات البشرية الملقاة في البحر، مثل المواد الكيميائية الصناعية والأدوية والمواد البلاستيكية. تتأثر جميع أنواع السلاحف البحرية، بالإضافة إلى 45% من الثدييات البحرية و21% من الطيور البحرية بالملوثات. تعتبر المواد البلاستيكية الأخطر، حيث تتحلل إلى مواد ضارة تمتص الملوثات الأخرى، مما يؤدي إلى تضرر الأحياء البحرية عند تناولها.

تتراوح كمية المواد البلاستيكية التي تتغذى عليها الكائنات البحرية في شمال المحيط الهادئ بين 12,000 و24,000 طن سنويًا. تأكل الكثير من السلاحف هذه المواد، مما يشعرها بالشبع أو يؤدي إلى موتها بسبب الاختناق. تشير بعض الدراسات إلى أن 50% من سلاحف العالم أكلت المواد البلاستيكية، مما يؤثر سلبًا على تكاثرها. كما أن نسبة الطيور البحرية التي تناولت البلاستيك تصل إلى 60%، مما يؤدي إلى موت الكثير منها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار” (رواه أحمد وابن ماجه).

على الاقتصاد

تتأثر العديد من القطاعات الاقتصادية سلبًا بتدهور جودة المياه البحرية، حيث يؤدي التدهور إلى تضرر السفن وغيرها من عناصر الملاحة البحرية. تسبب ذلك لأسطول الصيد الأوروبي بخسارة تقدر بـ 82 مليون دولار أمريكي، كما يساهم في خسارة حوالي مليار يورو سنويًا لدول آسيا والمحيط الهادئ نتيجة لتضرر الصناعات البحرية. تصل خسارة قطاع السياحة الناتجة عن هذا النوع من التدهور إلى 600 مليون دولار أمريكي سنويًا.

مقترحات لمكافحة تدهور جودة المياه

يمكن الحد من تدهور جودة المياه البحرية من خلال اتخاذ إجراءات وقائية لتجنب حدوث التدهور، أو من خلال تصويب الأوضاع بعد حدوثه. يعتبر العديد من العلماء أن الوقاية هي الأفضل، نظرًا لوجود آثار للتدهور لا يمكن معالجتها.

الوقاية من التدهور

يجب اتباع العديد من الإجراءات للحد من تدهور جودة المياه، مثل تقليل نسبة المواد السامة التي يتم إلقاؤها في البحار، والحد من إلقاء المواد الخطرة ونفايات السفن، وفصل أنابيب مياه الأمطار عن أنابيب مياه الصرف الصحي، ووضع قوانين تضمن عدم تسرب المواد النفطية المنقولة عبر السفن.

يمكن للأفراد اتخاذ إجراءات تحد من التدهور، مثل تنظيف النفايات على الشواطئ، وإعادة تدوير النفايات، وإنشاء مجموعات لزراعة الأشجار بالقرب من الجداول، والتأكد من عدم اختلاط مياه الأمطار بالمخلفات.

تصويب الأوضاع المتدهورة

يمكن تنظيف كمية كبيرة من الملوثات من خلال معالجة مياه الصرف الصحي باستخدام أنظمة الطاقة الشمسية المائية أو الأراضي الرطبة، وإجراء معالجة ثانوية لمياه الصرف الصحي التي تصل إلى الشواطئ، وتوفير طرق لتنظيف المخلفات النفطية التي تنسكب في البحار، وإزالة آثار مياه الصرف الصحي أو انسكابات النفط باستخدام تقنية الجسيمات النانوية.

جهود عالمية للحد من التدهور

هناك العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحد من التلوث البحري، مثل اتفاقية أوسلو التي وقعت عام 1972 للحد من التدهور الناتج عن إغراق السفن والطائرات، واتفاقية ماربول التي وقعت عام 1973 للحد من التدهور الذي تسببه السفن، واتفاقية باريس التي وقعت عام 1974 لمنع التدهور الناتج عن المصادر البرية، واتفاقية أوسبار التي وقعت عام 1992 لحماية البيئة البحرية لشمال شرق المحيط الأطلسي.

خلاصة

لمكافحة تدهور جودة المياه، يجب تنظيف الشواطئ باستمرار وإعادة تدوير المواد، وعلى الحكومات تكثيف الجهود لتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تنص على حماية البيئة البحرية ومنع التدهور.

قال تعالى: “وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا” (الأعراف، 56).

المراجع

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تدهور جودة الهواء: الأسباب والعوامل المؤثرة

المقال التالي

آثار تدهور البيئة البحرية على مخزون الأسماك

مقالات مشابهة