ما هو حكم اللعن في الإسلام؟

تعريف اللعن وأحكامه في الإسلام. متى يجوز اللعن ومتى يحرم؟ حكم لعن شخص معين، وحكم اللعن بالوصف، وحكم لعن النفس والحيوان والجمادات.

تعريف اللعن في الشريعة

اللّعن في اللغة هو الإبعاد والطرد، وفي الشريعة هو الدعاء على شخص أو شيء بالبعد عن رحمة الله سبحانه وتعالى. الإسلام دين الرحمة والتسامح، ويحث على الكلام الطيب وتجنب الفحش والبذاءة. فما هو موقف الشريعة من اللعن؟

الضوابط الشرعية في لعن شخص محدد

يحرم في الإسلام لعن المسلم المعين، أو أي شخص محدد بالاسم. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير، مبيناً خطورة هذا الفعل وعظيم إثمه. فقد قال صلى الله عليه وسلم:

“لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ”

كما قال صلى الله عليه وسلم:

“ليْسَ المؤمِنُ بِالطَّعَّانِ، ولا اللَّعَّانِ، ولا الفاحِشِ، ولا البَذيءِ”

فإذا رأى المسلم شخصاً يفعل أموراً سيئة، فلا يجوز له أن يلعنه تحديداً، لأنه قد يتوب من ذنبه، أو قد يكون لديه مانع يمنع حلول اللعنة عليه. فاللعن يتنافى مع مكارم الأخلاق التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، وأن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن فاحشاً ولا لعاناً ولا سباباً، كما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه:

“لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا، ولَا لَعَّانًا، ولَا سَبَّابًا”

حكم اللعن بصورة عامة

فرق العلماء بين اللعن بالتعميم واللعن بالتعيين. فالأول هو اللعن بالوصف دون قصد أشخاص بأعينهم، وهو جائز. وقد ورد في السنة النبوية أحاديث كثيرة تتضمن اللعن بالوصف دون التعيين. ومثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:

“لَعَنَ اللَّهُ الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ، والمُتَنَمِّصاتِ، والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّراتِ خَلْقَ اللَّهِ”

وقد ذكر ابن حجر الهيتمي رحمه الله بأنه لا يجوز لعن شخص بعينه إلا إذا علم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب، أما من لم يعلم فيه ذلك فلا يجوز لعنه، حتى الكافر الحي المعين لا يجوز لعنه؛ لأن اللعن هو الطرد عن رحمة الله المستلزم لليأس منها، وذلك إنما يليق بمن علم موته على الكفر. أما من لم يعلم فيه ذلك فلا…

وقال النووي رحمه الله بأن العلماء قد اتفقوا على تحريم اللعن، فإنه في اللغة الإبعاد والطرد، وفي الشرع الإبعاد من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره… وأما اللعن بالوصف فليس بحرام؛ كلعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، وآكل الربا…

حكم لعن الإنسان لنفسه

يحرم على المسلم أن يلعن نفسه، حتى وإن كان يريد حثها على فعل شيء أو منعها من شيء آخر. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:

“لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ”

حكم لعن العاصي

لا يجوز لعن شخص معين حتى وإن كان عاصياً. قال ابن العربي رحمه الله: “أَمَّا الْعَاصِي الْمُعَيَّنُ، فَلَا يَجُوزُ لَعْنُهُ اتِّفَاقًا”. ويدل على ذلك أن رجلاً مسلماً جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بجلده بسبب شربه للخمر، فقال رجل من القوم: “اللَّهُمَّ العنْه، ما أكْثَرَ ما يُؤْتَى بهِ”؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ إنَّه يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ”

وفي رواية أخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ”

فجعل له حرمة الأخوة، وفي رواية أخرى:

“ولَكن قولوا: اللَّهمَّ اغفِر لَه، اللَّهمَّ ارحَمهُ”

وهذا يوجب الرحمة به والشفقة عليه. فالمذنب والعاصي بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم وينصحهم ويشفق عليهم، لا أن يدعو عليه فيكون عوناً للشيطان عليه. وقد بين ابن حجر رحمه الله أن معاونة الشيطان تكون بتزيين المعصية لكي يحصل له الخزي، فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حققوا مقصود الشيطان.

حكم لعن الحيوانات

أمر الإسلام بالرفق بالحيوان والإحسان إليه، وحذر من تعذيبه أو تكليفه ما لا يطيق، وحرم لعنه. ويدل على ذلك ما ورد عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال:

“بيْنَما رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ علَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذلكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: خُذُوا ما عَلَيْهَا وَدَعُوهَا؛ فإنَّهَا مَلْعُونَةٌ”

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تترك الناقة زجراً وتأديباً لها لأنها لعنتها، وكان قد بين من قبل عدم جواز لعن الدواب وشتمها، لأن هذا يتنافى مع خلق المسلم، ولا ذنب للدابة حتى تلعن، وإن كان ذلك لا يخرجها من رحمة الله، ولكن في لعنها إساءة للصنعة والصانع.

حكم لعن الريح أو ما شابهها

لا يجوز لعن الريح أو أي جماد أو شيء آخر لا يستحق اللعن، ومن فعل ذلك رجعت اللعنة عليه. ويدل على ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه:

“أنَّ رجلًا لعنَ الرِّيحَ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ لا تلعنِ الرِّيحَ فإنَّها مأمورةٌ، وإنَّهُ مَن لعنَ شيئًا ليسَ لَه بأهلٍ رجعَتِ اللَّعنةُ علَيهِ”

فالريح مأمورة بأمر الله تعالى، سواء جاءت بالرحمة أو النقمة، فهي مسخرة بأمر من الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز لعنها. ويدخل في هذا أيضاً المرض، فلا يجوز لعنه؛ لأن ما يصيب الإنسان من أمراض فهو من الله سبحانه، وقد يكون لعنها من قبيل السخط على أقدار الله، وعلى المسلم إن تلفظ بشيء من ذلك أن يسارع إلى الاستغفار والتوبة إلى الله، فيدعو لنفسه بالرحمة والشفاء بدلاً من لعن ما حوله.

المصادر والمراجع

  • صحيح البخاري
  • صحيح مسلم
  • سنن أبي داود
  • سنن الترمذي
  • المستدرك على الصحيحين
  • شرح النووي على مسلم
  • أحكام القرآن لابن العربي
  • الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة
  • مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان
Total
0
Shares
المقال السابق

تعريف اللعان وأحكامه

المقال التالي

أحكام الماء الطهور في الشريعة الإسلامية

مقالات مشابهة