فَضلُ القُرآنِ وَأنواعُ الذِكرِ وأحكامُ القِراءةِ القَلبيّةِ

استكشاف فضل القرآن الكريم وأنواع الذكر. تعرف على أحكام قراءة القرآن بالقلب وأهمية الذكر في الإسلام.

مقدمة عن عظمة القرآن

القرآن الكريم هو كلام الله المعجز، وهو الكتاب الخالد الذي حفظه الله من كل تحريف أو تغيير. أنزله الله تعالى على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون هداية للناس ونوراً لهم في ظلمات الجهل. من تمسك به نجا، ومن أعرض عنه ضل وغوى. لقد خص الله قارئيه والمتدبرين فيه بفضائل عظيمة وأجور جسيمة.
لقد استغرق القرآن الكريم اهتمام المسلمين منذ نزوله على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقد قضوا أوقاتهم في دراسته وتدبر معانيه العميقة، وكتبوا المؤلفات التي توضح كنوزه. ونتيجة لذلك، ظهرت علوم كثيرة تهدف إلى خدمة المسلمين من خلال الكشف عن معانيه العظيمة. تزخر المكتبات الإسلامية اليوم بمصنفات ضخمة في علوم القرآن الكريم وتفسيره، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم أسباب النزول، وبلاغة القرآن الكريم وأوجه إعجازه. ولقد تخصص البعض في علوم القراءات القرآنية وأسانيدها المتواترة، بينما اهتم آخرون بتقرير علوم تلاوته وتجويده، وأحكام ترتيله كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

حكم القراءة القلبية للقرآن

تناول العلماء مسألة القراءة القلبية للقرآن، أي قراءة القرآن بالقلب دون تحريك الشفتين، وهل تعتبر هذه قراءة صحيحة ومجزية، أم أنها تحتاج إلى شروط معينة. وتفصيل ذلك كما يلي:

يشترط تحريك اللسان في الأذكار التي يرددها المسلم، مثل قراءة القرآن، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، والشكر، وكذلك أذكار الصباح والمساء، وغيرها من الأذكار المأثورة. ولا يعتبر المرء قد أتى بها إلا إذا حرك لسانه بها. وقيل: إنما القراءة ما تحرك بها اللسان.

يقول الإمام الكاساني في كتاب بدائع الصنائع في معرض الاستدلال على ضرورة تحريك اللسان بالذكر نطقاً بالحروف المكونة له بعدم جواز صلاة المصّلي القادر على النطق إذا لم يحرك لسانه بالقراءة والذكر؛ لأنه لم يقرأ، وإنما فكر بها، واستحضرها في نفسه. ولو أن أحداً حلف ألا يقرأ من كتاب معين، ثم نظر فيه، ووعى محتواه، وردد كلماته في خاطره لا يعد حانثاً بيمينه؛ لأن النظر لا يسمى قراءة.

ومما يؤكد هذا المعنى أن أهل العلم أفتوا بنهي من أصابته جنابة عن قراءة القرآن بلسانه، بينما أباحوا له النظر في المصحف، وأن يقرأ القرآن بالقلب دون حركة اللسان ودون مسه، مما يدل على أن بين الحالتين فرقاً، وأن تحريك اللسان بالحروف هو المعتمد في إطلاق وصف القراءة.

وبناءً على ما سبق، فإن قراءة القرآن بالعين وحضورها في القلب من غير تحريك اللسان والشفتين لا تعتبر قراءة، وبالتالي لا يحصل من يفعل ذلك على أجر قراءة القرآن. ولكن العلماء صنفوا هذه الصورة من باب تدبر القرآن الكريم وآياته، وهي صورة يؤجر المسلم عليها ويثاب. وأفضل الذكر ما كان باللسان مع حضور القلب؛ فترك الذكر باللسان مع حضور القلب ترك للأفضل.

الجهر بقراءة القرآن الكريم ليس شرطاً لتحقيق معنى القراءة التي يؤجر عليها المسلم، وإنما يكفي لتحقيق ذلك تحريك اللسان، ولو لم يكن الصوت مرتفعاً بالقراءة.

الأصل في المسلم ألا يكتفي بتحقيق شرط القراءة عن طريق تحريك اللسان بها؛ بل الأفضل والأكمل في قراءة آيات القرآن أن يستجمع القلب معاني القراءة باللسان.

وقد يكون الإسرار في القراءة أفضل من الجهر بها في بعض الأحوال، كما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الجاهرُ بالقرآنِ كالجاهرِ بالصدقةِ، والمسرُّ بالقرآن كالمسرِّ بالصدقةِ).
وقد قال العلماء في هذا:

  • إن الإسرار في قراءة القرآن يكون أفضل في حق من يخاف على نفسه الرياء، بخلاف من لا يخشى رياءً؛ فالجهر في حقه أفضل.
  • الأفضلية بالجهر لا تتحقق لمن آذى بها غيره؛ كالمصلي، أو النائم، أو غيرهما.

أصناف الذكر وأنماطه

لقد تقرر في الشريعة الإسلامية أن من أشرف الأعمال التي يقوم بها المسلم هو ذكر الله عز وجل. وطرق الذكر لا تقتصر فقط على اللسان، بل تشمل القلب والجوارح أيضًا.

  • الذكر المطلق: وهو كل ما يقرب العبد من ربه سبحانه، سواء كان ذلك عقيدة صحيحة راسخة، أو تفكراً وتأملاً في ملكوت الله، أو عملاً قلبياً، ونوايا خيرة، أو عملاً بدنياً وحركة جسدية، أو ثناء على الله وتمجيد له، أو وقتاً يقضى في تعلم علم نافع أو تعليمه، ونحو ذلك. فكله ذكر لله.
  • الذكر بالقلب: يعتبر الذكر بالقلب أصلاً أصيلاً لكل ذكر بعده، وهو أساس صلاح ذكر اللسان والجوارح والأركان. فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن في الجسدِ مُضغَةً: إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ).
    فمدار قبول الأعمال كلها على حضور القلب وخشوعه. وهذا المعنى تأكيد لقول الله سبحانه: (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا).
    فكأن ذكر الله بدون حضور القلب كالجسد الخاوي من الروح.

أمثلة على أنواع الأذكار المطلقة:

  • الذكر بالقلب: ومثاله التفكر في آلاء الله تعالى، ورسوخ محبته وتعظيمه وإجلاله، والإنابة إليه، والخوف من معصيته، واعتماد القلب عليه، ونحو ذلك من أعمال القلوب.
  • الذكر باللسان: ويشمل كل نطق وقول يقرب من الله، وأعلى الذكر وأفضله على الإطلاق قول العبد: لا إله إلا الله، وتتعدد صوره بالأذكار المأثورة الكثيرة وغيرها.
  • الذكر بالجوارح: حيث إن كل فعل يقرب العبد إلى الله هو ذكر بالجوارح، ومثاله: إقامة الصلاة، والجهاد في سبيل الله، ومدافعة العدو، وإيتاء الزكاة، وغير ذلك من الأعمال التي مبناها على الحركة. فكلها ذكر لله؛ لأن العبد يقوم بها على وجه الطاعة والتعبد؛ فيكون حينئذ ذاكراً لله بهذا العمل، حيث قال الله سبحانه: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

خلاصة القول

إن القرآن الكريم هو النور الذي يضيء لنا دروبنا، والذكر هو الصلة التي تربطنا بربنا. فلنجتهد في تلاوة القرآن وتدبر معانيه، ولنحرص على ذكر الله في كل وقت وحين، بقلوبنا وألسنتنا وجوارحنا، لعلنا نفوز برضا الله وجنته.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نظرة في حكم قراءة الفنجان

المقال التالي

أحكام وتوجيهات حول قراءة القرآن الكريم

مقالات مشابهة