غزوة تبوك
وقعت غزوة تبوك في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة. والسبب المباشر لهذه الغزوة هو وصول أنباء إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- تفيد بأن الروم يجمعون جيوشهم استعدادًا لغزو المسلمين. فقرر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبادرهم بالقتال قبل أن يبدأوا هم بالهجوم.
كان من سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أغلب غزواته عدم الإفصاح عن الوجهة المقصودة؛ وذلك حفاظًا على سرية المعلومات وتضليلًا للعدو. إلا أنه في غزوة تبوك، أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوجهة؛ وذلك لأهمية الاستعداد الجيد نظرًا لعدة عوامل، منها كثرة عدد العدو، شدة حرارة الجو، طول المسافة، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي كان يعيشها المسلمون بسبب الجدب.
حثَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين على المسارعة في التبرع والإنفاق لتجهيز الجيش. فاستجاب المسلمون لنداء النبي -صلى الله عليه وسلم- بسخاء. فقد تبرع أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بمعظم ماله، وتبرع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بنصف ماله، وتكفل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بتجهيز ثلاثمائة بعير، وتبرع بألف دينار ووضعها في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقلبها:(ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ مرَّتينِ).
تجدر الإشارة إلى أن المتخلفين عن غزوة تبوك انقسموا إلى قسمين: أصحاب الأعذار الذين لم يتمكنوا من توفير المال أو العتاد اللازم للغزوة، وهؤلاء قد عذرهم الله -تعالى-. والقسم الآخر هم المنافقون الذين سعوا جاهدين لتثبيط عزيمة المسلمين ومنعهم من الخروج للغزو. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك بعض المتخلفين من غير هاتين الفئتين، وأشهرهم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية -رضي الله عنهم-.
عِبر ومواعظ من حكاية المتخلفين عن غزوة تبوك
قال الله -تعالى-:(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ).
لقد ذكر الله -تعالى- قصة توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك في القرآن الكريم، لتكون توبتهم مثالًا باقيًا على مر العصور. ومن الدروس والعبر المستفادة من قصتهم ما يلي:
الإقرار بالتقصير في حق الله ورسوله
يجوز للمسلم أن يعترف بتقصيره في طاعة الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، كما فعل كعب بن مالك -رضي الله عنه-، الذي نصح المسلمين بترك المعاصي والذنوب والابتعاد عنها.
التعبير عن نِعم الله
يجوز للمسلم أن يتحدث عن نعم الله -تعالى- عليه، ما لم يصاحب ذلك التحدث شعور بالكبر والتعالي والتباهي. فقد قال الله -تعالى- على لسان نبيه يوسف -عليه السلام-:(قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ).
أهمية التستُّر على المُخطئ عند النصح
لا شك أن التستر على المخطئ وعدم ذكر اسمه صراحةً يسهم في إصلاحه وتجنب فضحه. وهذا ما كان يفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- في نصائحه، حيث كان يقول: “ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا”.
وجوب الدفاع عن أعراض المسلمين
يجب على المسلم الدفاع عن أخيه المسلم إذا تعرض للطعن أو التشكيك، كما فعل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عندما تعرض كعب بن مالك -رضي الله عنه- للانتقاد والاتهام، حيث دافع عنه وأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا يعرف عن كعب إلا كل خير.
التحسُّر على فوات فعل الخير
يجوز للمسلم أن يتحسر على ما فاته من الخير ويتمنى لو كان قد فعله، كما قال كعب بن مالك -رضي الله عنه-:(فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ).