مقدمة
إن العلاقات الأسرية في الإسلام لها أهمية عظيمة، وتعتبر صلة الرحم من الأمور التي حث عليها الشرع الحنيف. ولكن، قد تنشأ بعض الإشكاليات المتعلقة بعلاقة الزوجة بأهل زوجها، مما يثير تساؤلات حول حدود هذه العلاقة وحقوق وواجبات كل طرف. يهدف هذا المقال إلى توضيح هذه المسائل من منظور إسلامي.
متى يُباح للمرأة تجنب زيارة أهل زوجها؟
من المستحسن أن تحافظ الزوجة على علاقة طيبة مع أهل زوجها، وأن تزورهم وتحسن إليهم، خاصة إذا كان الزوج يطلب ذلك، بشرط ألا يترتب على هذه الزيارات أي ضرر. ولكن، هل يعتبر ترك هذه الزيارات إثماً؟
يرى علماء الشريعة الإسلامية أن الزوجة لا تأثم إذا امتنعت عن زيارة أهل زوجها؛ لأنهم ليسوا من أرحامها. فالرحم، بحسب تعريف العلماء، هم كل من تحرم مناكحتهم، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، من جهة الأب أو الأم.[1]
وقد قيل أيضاً أن الرحم يشمل كل من له حق في الميراث، سواء كان محرماً أم غير محرم. ووفقاً لهذه التعاريف، فإن أهل الزوج لا يعتبرون رحماً للزوجة، إذ لا يوجد بينهم نسب حقيقي. لذلك، لا يلحقها إثم قطيعة الرحم إذا رأت عدم زيارتهم، ولا يحق للزوج إجبارها على ذلك.[1]
يجوز للزوجة أن تتجنب زيارة أهل زوجها إذا كانت تتضرر أو تتعرض للأذى بسبب هذه الزيارات، خاصة إذا أدت هذه الزيارات إلى مشاكل بينها وبين زوجها. فإذا تحملت المرأة وصبرت على هذه الإساءات، فهو أمر طيب منها، ولكن إذا لم تستطع ذلك، فلا حرج عليها في ترك الزيارة.[2]
حكم إلزام الزوج زوجته بالتواصل مع أهله
لا يجوز للزوج أن يفرض على زوجته التواصل مع أهله، خاصة إذا كان هذا التواصل يسبب لها مشاكل أو أذى. فليس من واجبات الزوجة معاملة أهل الزوج أو زيارتهم. ومع ذلك، يُنصح الزوج بالسعي إلى التقريب بين زوجته وأهله قدر الإمكان، وذلك بالحكمة والتعامل الحسن مع الطرفين.
يجب على الزوج أن يسعى للجمع بينهم، وأن يحسن إلى الزوجة والأهل، وأن يضع قواعد للتعامل بينهم ترضي جميع الأطراف، وأن يعمل على إزالة الخلافات دون إجبار الزوجة على شيء.[2]
ينبغي للزوجة أن تدرك أن تواصلها مع أهل زوجها وإحسانها إليهم هو إحسان وطاعة لزوجها، ومساعدة له على صلة رحمه. كما يجب أن تتذكر أن مقابلة الإساءة بالإحسان قد يغير من سلوكهم تجاهها، ويولد في قلوبهم محبة لها جزاء إحسانها.[3]
هل يحق للزوج قطع علاقته بأهله؟
لا يجوز للزوج أن يقطع علاقته بأهله. فالإحسان إلى الوالدين واجب شرعي على الزوج، ولا يجوز له تركه بأي حال من الأحوال. حتى وإن كانت هناك قطيعة بين الزوجة وأهل الزوج، يجب على الزوج أن يحسن إلى أهله ويبرهم.
فتعامل الزوج مع أهله هو صلة رحم وبر بالوالدين، والقطيعة، حتى وإن كانت موجودة بين الزوجة والأهل، فهي أمر مذموم. والأصل هو وجود التواصل والمحبة والألفة بين المسلمين.[4]
لا ينبغي للزوج أن يزيد الأمر تعقيداً بقطع علاقته بأهله بسبب مقاطعة زوجته لهم، فمثل هذا الفعل يخلق المزيد من البغضاء والعداوة. بل يجب عليه السعي لإيجاد حل يصلح بينهما، حتى وإن اضطر إلى الكذب على الطرفين لتقريبهما من بعضهما. فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“ليس الكَذَّابُ الَّذي يُصْلِحُ بيْن النَّاسِ فيَقولُ خَيْرًا، أو يَنْمِي خيرًا”.[5]
والكذب في هذه الحالات يعتبر من الخير الذي دعا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.[4]
خلاصة القول
يجوز للزوجة أن تمتنع عن زيارة أهل زوجها إذا كانت تتضرر من هذه العلاقة، ولا يحق للزوج إجبارها على ذلك. في المقابل، لا يجوز للزوج بأي حال من الأحوال أن يقطع علاقته بأهله، حتى لو تضرر منهم. والأصل هو أن يسعى الزوج إلى إصلاح العلاقة بين زوجته وأهله بالحكمة والموعظة الحسنة، دون إرغام أو إجبار.
المراجع
- “هل يجب على الزوجة أن تصل والدي زوجها”، موقع الإسلام سؤال وجواب، 2010-11-15.
- محمد صالح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 1365.
- مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 2393.
- مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 186.
- رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن أم كلثوم بنت عقبة، الصفحة أو الرقم: 297، حديث صحيح.