شرح وتوضيح الآية الكريمة (ولا تواعدوهن سرًا)

استكشاف المعنى العميق للآية الكريمة (ولا تواعدوهن سرًا) وأحكام خطبة المعتدة، سواء كانت من وفاة أو طلاق، مع التركيز على الفرق بين التصريح والتعريض في الخطبة.

تفسير الآية الكريمة

الحمد لله الذي شرع الشرائع لحِكم بالغة، تهدف إلى تحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة. ومن بين هذه التشريعات، ما يتعلق بأحكام الزواج والعدة، حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا). هذه الآية تحمل في طياتها توجيهات ربانية عظيمة، تدعو إلى الصبر والالتزام بأوامر الشرع، لما في ذلك من الخير العميم والفائدة الكبيرة على الفرد والمجتمع. إن هذه الضوابط الشرعية، وإن بدت في ظاهرها تقييداً، إلا أنها في حقيقتها صيانة وحماية للمرأة والمجتمع من الفتن والمفاسد.

أحكام خطبة المعتدة من وفاة

لقد فرض الله سبحانه وتعالى العدة على النساء لأسباب عديدة وحكم جليلة، وأهمها التأكد من خلو الرحم وعدم اختلاط الأنساب. فلو تزوجت المرأة بعد وفاة زوجها مباشرة دون انتظار فترة العدة، ثم حملت، لاختلطت الأنساب ولم يُعرف الأب الحقيقي للطفل. لذلك، حرص الإسلام على حفظ النسل، كما حرص على تكريم ذكرى الزوج المتوفى من خلال إظهار الزوجة للحزن والوفاء له خلال فترة العدة. وهذا يُظهر أن الشريعة الإسلامية السمحة تولي اهتماماً كبيراً بالقيم الأخلاقية في جميع أحكامها. وينطبق هذا الأمر أيضاً على المرأة المعتدة من وفاة شخص لم يدخل بها، فالإسلام يلتزم بالحذر والاحتياط، خشية أن يكون قد دخل بها زوجها سراً، وبالتالي وجوب العدة حفظاً للنسب.

حكم التصريح بالخطبة للمعتدة من وفاة

لقد حرم الله عز وجل التصريح بطلب الزواج من المرأة المعتدة من وفاة زوجها. وذلك لأن التصريح لا يحمل إلا معنى واحداً، وهو النكاح. وقد حرم هذا الأمر خشية أن تستعجل المرأة في الأمر وتكذب بشأن انتهاء عدتها رغبةً في الزواج، وأيضاً حفاظاً على حق الزوج الأول، من خلال عدم مواعدة غيره طوال فترة العدة. ويساهم هذا التحريم في منع الوقوع في الزنا أو الإنفاق على الزواج خلال فترة العدة.

حكم التعريض بالخطبة للمعتدة من وفاة

أباح الله للمؤمنين التعريض بخطبة المعتدة من وفاة، وذلك لأنه ليس في قوة التصريح، ويحتمل معنى الزواج وغيره. كما يجوز أن يضمر الرجل ذلك في نفسه، وينوي الزواج بها بعد انقضاء عدتها. وقد أخبر الله تعالى بأنه يعلم أنهم سيذكرونهن، سواء سراً في أنفسهم، أو علانية بألسنتهم. ورخص الشرع في التعريض دون التصريح، وألفاظ التعريض متعددة، مثل أن يقول للمرأة: “لا تسبقيني بنفسك”، أو أن يشير إلى ذلك بطريقة غير مباشرة، كأن يقول: “إنكِ امرأة صالحة”، أو “إني أفكر في الزواج”، وغير ذلك من العبارات التي لا تحمل معنى صريحاً للخطبة.

خطبة المعتدة من طلاق

تشير هذه الآية الكريمة أيضاً إلى أحكام خطبة المطلقة، والتي تتلخص فيما يلي:

  • خطبة المطلقة طلاقاً رجعياً: لا يجوز مطلقاً التصريح أو التعريض بخطبة المطلقة طلاقاً رجعياً، لأنها ما زالت في عصمة زوجها طوال فترة العدة.
  • خطبة المطلقة طلاقاً بائناً: أحكام المطلقة طلاقاً بائناً هي نفس أحكام المتوفى عنها زوجها، فلا يجوز التصريح لها بالخطبة، بينما يجوز التعريض تعريضاً غير صريح ما دامت في العدة.

دلالة السر في الآية القرآنية

اختلف العلماء والمفسرون في تفسير المقصود بكلمة “سراً” في الآية الكريمة على قولين: الأول يرى أن السر هنا هو التصريح بالنكاح، والثاني يرى أنه النهي عن الزنا. وقد رجح العديد من العلماء الرأي الثاني، لأن العرب كانت تستخدم كلمة “سراً” للإشارة إلى الجماع ومواقعة الرجل للمرأة، لأن ذلك يتم في الخفاء بعيداً عن أعين الناس.

والله أعلم.

المصادر

  • سورة البقرة، آية:235
  • مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
  • القرطبي، الجامع لأحكام القرآن
  • محمد محمود حجازي، التفسير الواضح
  • أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري جامع البيان
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

فهم وتدبر الآية الكريمة: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم)

المقال التالي

استضـاءات حول قوله تعالى: “وآتاكم من كل ما سألتموه”

مقالات مشابهة

آداب زيارة المسجد

تُعرف المساجد في الإسلام بيوت الله، وهي تُعدّ من الأماكن المقدّسة التي يجب على المسلم احترامها والالتزام بأداب زياراتها. ستُعرّفك هذه المقالة بأبرز الآداب التي يجب مراعاتها عند زيارة المسجد، بدءًا من الطهارة إلى أدعية الدخول والخروج.
إقرأ المزيد