سورة العنكبوت: شرح ودراسة

تُعرف سورة العنكبوت بكونها سورة مكية تتحدث عن العقيدة الإسلامية، وخصائص المؤمنين، وعاقبة الكافرين، وبعض القصص من القرآن الكريم.

محتويات

نبذة عن سورة العنكبوت

سورة العنكبوت هي سورة مكية، إلا أن بعض العلماء يعتقدون أن الآيات من واحد إلى إحدى عشر منها مدنية، وذلك لِما تذكره عن الجهاد. يُرجّح جمهور العلماء أنّها سورة مكية كاملة. نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد سورة الرّوم، خلال فترة صعبة عاشها المؤمنون في مكة، خاصةً في الفترة الأخيرة قبل الهجرة إلى المدينة. جاءت السورة لتثبيت قلوب المؤمنين، ودعوتهم إلى الصمود أمام الفتن والتحديات والاضطهاد الذي واجهوه من الكفار. تتكون السورة من تسع وستون آية، وتأتي كسورة رقم تسعة وعشرين في ترتيب سور القرآن الكريم.

سبب تسمية سورة العنكبوت

سميت سورة العنكبوت بهذا الاسم لِما ورد فيها من ذكر مَثَل العنكبوت، حيث يقول الله تعالى:

> (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 41]

يشبّه الله تعالى الكافرين الذين يصنعون الأصنام ويتخذونها آلهة لهم بدلاً من الله، بالعنكبوت الذي يصنع لنفسه بيتًا ضعيفًا.

نزول سورة العنكبوت: أقوال العلماء

يوجد ثلاثة أقوال للعلماء حول سبب نزول سورة العنكبوت:

* **القول الأول:** نزلت السورة في مجموعة من الناس في مكة المكرمة، كانوا قد أعلنوا إسلامهم، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغهم أن إسلامهم لن يكتمل إلاّ بالهجرة إلى المدينة المنورة. انطلقوا مهاجرين، ولكنّ المشركين لحقوا بهم وأذوهم وأرجعوهم إلى مكة. أدرك هؤلاء الناس أن هذه الآيات نزلت بشأنهم، فخرجوا مجددًا مصممين على الهجرة والقتال مع المشركين. مات بعضهم، بينما نجا آخرون. نزلت بعدها آية أخرى تقول:

> (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 110]

* **القول الثاني:** نزلت السورة في شخص يُسمّى “مهجع”، وهو مولى عمر بن الخطاب -رضيَ الله عنه-، حيث قُتل في معركة بدر. حزن عليه والديه وزوجته كثيرًا، فأنزل الله تعالى سورة العنكبوت لتثبيت قلوبهم وللمؤمنين.

* **القول الثالث:** نزلت سورة العنكبوت في الصحابي عمّار بن ياسر – رضيَ الله عنه- حين كان يُعذِّبه المشركين.

مناسبة سورة العنكبوت لِما قبلها وما بعدها

مناسبة سورة العنكبوت لِما قبلها

يُلاحظ في ترتيب سور القرآن الكريم تناغم وترابط رائع بينها، وهذا دليلاً على قدرة الله سبحانه وتعالى. تُظهر مناسبة سورة العنكبوت لِما قبلها من سورة القصص في النقاط التالية:

* تتحدث سورة القصص عن استكبار فرعون وطغيانه، وإجباره قومه على الكفر، وتسلط تعذيبهم. وتبدأ سورة العنكبوت بالحديث عن المؤمنين، وفتنة المشركين لهم، وتعذيبهم. في قصّة قوم فرعون، يمكن للمؤمنين أن يجدوا العزاء والتثبيت على دين الحقّ.

* تتحدث سورة القصص عن نجاة موسى عليه السلام، ورجوعه إلى مصر منتصراً بعد غرق فرعون وجنوده، ثمّ تأتي سورة العنكبوت لتذكر قصة سيدنا نوح عليه السلام ونجاة من آمنوا معه، وهلاك المكذّبين له.

* تتحدث سورة القصص عن قارون وفرعون وطغيانهما، وتأتي سورة العنكبوت لتذكرهم، وبيان عاقبتهم.

* تتحدث سورة القصص عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتتحدث سورة العنكبوت عن هجرة المؤمنين.

* تختتم سورة القصص بدعوة الله تعالى للمؤمنين جميعاً بالثّبات على دين الإسلام، والولاء لله وحده، وأن تكون طاعتهم لأهلهم وأقاربهم بما يُرضي الله. وتأتي سورة العنكبوت لتثبيت الإيمان في قلوب المؤمنين، بإخبارهم أنّ الإيمان فيه الكثير من الصعوبات التي يجب عليهم تحمّلها بكلّ رضا وصبر، يقيناً بثواب الله -تعالى- لهم يوم القيامة.

مناسبة سورة العنكبوت لِما بعدها

تُظهر سورة العنكبوت ارتباطها بسورة الرّوم في عدة نقاط:

* تتحدث سورة العنكبوت في بدايتها ونهايتها عن الجهاد، وتأتي سورة الرّوم لتخبر الناس بأنّهم لم يُخلقوا عبثاً، بل ليُجاهدوا في سبيل الله تعالى. تُصيبهم المصاعب والشدائد، ويتعرّضون للظّلم من أهلهم وأقوامهم، فتدعوهم الآيات للثبات على الدّين حتى ينالوا رضا الله -تعالى- وجنّته.

* تتحدث سورة العنكبوت بشكل عامّ عن مظاهر التّوحيد، والتّفكر في الآفاق والأنفس الدّالة على وجود الله -تعالى-، ثمّ تأتي سورة الرّوم لتخبرنا بشكل مفصّل ودقيق عن كلّ هذه الأدلّة والبراهين.

* تتحدث سورة العنكبوت عن المؤمنين القلّة الذين يتعرّضون للظّلم من المشركين الكثر، وتأتي سورة الرّوم فتذكر قصة معركة الرّوم والفرس، والتي انتصر فيها الفرس وهم قلّة، لتسلية قلوب المؤمنين وربطاً على قلوبهم.

موضوعات سورة العنكبوت

تُناقش آيات سورة العنكبوت العديد من الموضوعات، منها:

* **موضوعات العقيدة**: تتحدث عن البعث، والتّوحيد، والجزاء الأخروي، ووجود الله سبحانه وتعالى.

* **موضوعات ثبات المؤمنين**: تُؤكد على أهمية الصبر واليقين وثواب الله -تعالى- للمؤمنين الصّابرين بالجنّة، لتثبيت قلوبهم على الدّين الحقّ عند البلاء والفتن التي تُحيط بهم.

* **موضوعات الجهاد والتحديات**: تتحدث عن الفتن المحيطة بالإنسان، وتنتهي بالحديث عن هداية نفوس المجاهدين، وتأيّيد ونصرة الله -تعالى- لهم.

* **قصص الأنبياء**: تذكر قصص الأنبياء السّابقين، وطُغيان أقوامهم، ونُصرة الله -تعالى- لأنبياءه ومن آمن معهم.

* **موضوعات العلاقة بين المؤمنين والكافرين**: تحثّ المؤمنين على التبرُّؤ من المشركين، والابتعاد عنهم وعن ظلمهم وعدوانهم، وأنّ الله -تعالى- يفتح لهم أرضه الواسعة.

المراجع

1. جعفر شرف الدين (1420)، كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور (الطبعة 1)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 247، جزء 6. بتصرّف.
2. أحمد حطيبة، كتاب تفسير أحمد حطيبة، صفحة 3. بتصرّف.
3. محمد سيد طنطاوي (1998)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 5، جزء 11. بتصرّف.
4. سورة العنكبوت، آية: 41
5. ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 199، جزء 20. بتصرّف.
6. وهبة الزحيلي (1418)، التفسير المنير (الطبعة 2)، دمشق: دار الفكر المعاصر، صفحة 181، جزء 20. بتصرّف.
7. محمد الهرري (1421)، كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة 1)، بيروت – لبنان: دار طوق النجاة، صفحة 334-335، جزء 21. بتصرّف.
8. ابن الجوزي (1422)، كتاب زاد المسير في علم التفسير (الطبعة 1)، بيروت – لبنان: دار الكتاب العربي، صفحة 398، جزء 3. بتصرّف.
9. سورة النحل، آية: 110
10. محمد الهرري (1421)، كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة 1)، بيروت – لبنان: دار طوق النجاة، صفحة 330-331، جزء 21. بتصرّف.
11. عبد الكريم الخطيب، كتاب التفسير القرآني للقرآن (الطبعة 10)، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 399. بتصرّف.
12. محمد الهرري (1421)، كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (الطبعة 1)، بيروت – لبنان: دار طوق النجاة، صفحة 73، جزء 22. بتصرّف.
13. عبد الكريم الخطيب، كتاب التفسير القرآني للقرآن، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 472، جزء 11. بتصرّف.
14. وهبة الزحيلي (1418)، كتاب التفسير المنير (الطبعة 2)، دمشق: دار الفكر المعاصر، صفحة 181، جزء 20. بتصرّف.
15. جعفر شرف الدين (1420)، كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور (الطبعة 1)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 247، جزء 6. بتصرّف.
16. أحمد حطيبة، كتاب تفسير أحمد حطيبة، صفحة 5. بتصرّف.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تفسير سورة الطارق

المقال التالي

بحث عن سورة الفاتحة

مقالات مشابهة