سمات التواضع عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه

استكشاف جوانب التواضع في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أمثلة من تعامله مع السابقين في الفضل، وقصته مع الغلام، وتعامله مع الرعية والجند. نبذة عن حياة عمر بن الخطاب ومكانته.

كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شخصية محورية في تاريخ الإسلام. لم تقتصر أهميته على فترة خلافته الراشدة، بل امتدت لتشمل تأثيره العميق على جوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية والسياسية. ومن بين الصفات البارزة التي تميز بها، يبرز تواضعه كنموذج فريد للقائد الذي يقدر قيمة الناس ويتعامل معهم بتواضع واحترام. هذه المقالة تسعى لاستكشاف جوانب من تواضع الفاروق -رضي الله عنه-.

التعبير عن التواضع عند عمر بن الخطاب

على الرغم من عظمة مكانة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهيبته، إلا أن أبرز صفاته كانت التواضع الشديد. هذا التواضع كان السبب الرئيسي في حب الناس له وتقديرهم له. من مظاهر تواضعه أنه كان يتحدث عن نفسه كأنه شخص غريب، قائلاً: “بخ بخ عمر وويحك يا ابن الخطاب”. وهذا دليل على تواضعه الجم ونكرانه للذات.

وقد روي عنه -رضي الله عنه- أنه كان يُنزل الناس منازلهم، وقصته مع أبي مسلم الخولاني شاهدة على ذلك، فعندما ادّعى رجل النبوة في اليمن وألقى الخولاني في النار لإنكاره عليه، ثم قدم الخولاني إلى المدينة، سأله عمر عن قصته واحتضنه وأجلسه بينه وبين أبي بكر، وقال: “الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من صُنع به كما صُنع بإبراهيم خليل الرحمن فلم تضرّه النار”.

تواضعه عند الإشارة إلى أصحاب الفضل وقصة الغلام

عندما دخل بعض الناس على عمر بن الخطاب وأخذوا يثنون على عدله وقوته في الحق، قاطعهم عوف بن مالك -رضي الله عنه- قائلاً: “قد رأينا من هو خير منه؛ أبو بكر الصديق هو خير الناس بعد رسول الله”، فوافق عمر على كلامه، معترفاً بفضل أبي بكر وتقدّمه في الإسلام. وهذا يدل على تواضعه وإنصافه.

وفي يوم حار، كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يسير واضعاً رداءه على رأسه، فمر بغلام على حمار، فطلب منه أن يركبه معه، فرفض الغلام أن يركب عمر مكانه، وأصرّ عمر على أن يركب خلفه، ودخل المدينة وهما على هذه الحال. هذه القصة تجسد تواضع عمر وعدم تكبره على الناس، حتى الصغار منهم.

تواضعه مع عامة الناس وجيشه

عندما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام، دخلها بملابس بسيطة ومتواضعة، وعندما طلب منه المستقبلون تغيير هيأته احتراماً لمكانته كخليفة للمسلمين، أجابهم قائلاً: “إنا قومٌ أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره”. وهذا يدل على أن عمر كان يعتز بالإسلام ويرى فيه العزة الحقيقية، ولا يحتاج إلى مظاهر الفخامة والترف.

وفي موقف آخر، عندما حدد عمر -رضي الله عنه- أعلى قيمة للمهر، اعترضت عليه امرأة مستندة إلى قول الله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا). هذا الموقف يبين تقبله للنقد وتراجعه عن رأيه عندما تبين له الصواب، وهذا من علامات تواضعه وفطنته.

لمحة عن حياة عمر بن الخطاب

قبل الخوض في تفاصيل تواضع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، يجب أن نلقي نظرة على حياته ومكانته. كان إسلامه استجابة لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-:(اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجلينِ إليك بأبي جهلٍ أو بعمرَ)، فكان عمر أحب إلى الله، وبعد إسلامه تحول عداؤه الشديد للمسلمين إلى قوة ومناصرة لهم.

كان عمر -رضي الله عنه- ذا مكانة مرموقة في قريش، وقد وافقه القرآن في مواضع عدة، وكان الصحابة إذا سُئلوا عن أفضل الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقولون: أبو بكر، ثم عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم أجمعين-. وقد بشره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، كما في الحديث:(بيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ قَالَ: بيْنَا أنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي في الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إلى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلتُ: لِمَن هذا القَصْرُ؟ قالوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا. فَبَكَى عُمَرُ، وقَالَ: أعَلَيْكَ أغَارُ يا رَسولَ اللَّهِ).

الخلاصة

عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم يكن مجرد شخصية تاريخية عابرة، بل كان قائداً عظيماً ورجلاً متواضعاً. لم تمنعه مكانته الرفيعة من أن يكون قريباً من الناس، متواضعاً معهم، ومعترفاً بفضل السابقين. تواضعه كان جزءاً أساسياً من شخصيته القيادية، وأحد أسباب حب الناس له وتقديرهم له.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

صور من سمات أبي بكر الصديق: التواضع

المقال التالي

توبة بن الحمير: سيرة وشعر

مقالات مشابهة