رأي الشرع في الذبح للأضحية ليلاً

استكشاف آراء الفقهاء حول حكم ذبح الأضحية خلال الليل، مع بيان الحكمة من ذلك وتوضيح شروط الأضحية المقبولة وأحكامها المتعلقة بموعد الذبح وصفات الأضحية.

مقدمة

تعتبر الأضحية من الشعائر الإسلامية العظيمة التي يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى في عيد الأضحى المبارك. ويثور التساؤل حول الأحكام المتعلقة بهذه الشعيرة، ومن بينها: هل يجوز ذبح الأضحية في الليل؟ وما هي الشروط والضوابط التي يجب مراعاتها عند اختيار الأضحية؟ هذا ما سنتناوله بالتفصيل في هذه المقالة.

تفصيل القول في الذبح ليلاً

تباينت آراء الفقهاء في مسألة ذبح الأضحية خلال الليل، ويمكن تلخيص هذه الآراء فيما يلي:

  • رأي جمهور العلماء: يجيزون ذبح الأضحية ليلاً، مع استحباب تجنب ذلك لما فيه من الكراهة.
  • رأي المالكية: لا يجيزون الذبح ليلاً، ويعتبرون الذبح الذي يقع في الليل غير معتد به كأضحية.

يبدأ الوقت المحدد للذبح بعد انتهاء صلاة عيد الأضحى، ويستمر حتى نهاية أيام التشريق. وأفضل أوقات الذبح هو بعد صلاة العيد مباشرة [مرجع]، لمن أداها. أما من لم يصلها، فينتظر شروق الشمس، ثم يقدر وقتًا يكفي لأداء ركعتين وخطبتين. استنادًا إلى ما رواه البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:

مَن صَلَّى صَلَاتَنَا، ونَسَكَ نُسُكَنَا، فقَدْ أصَابَ النُّسُكَ، ومَن نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فإنَّه قَبْلَ الصَّلَاةِ ولَا نُسُكَ له.” [3][4]

تشمل هذه الأوقات الليل والنهار خلال أيام التشريق [مرجع]. بالتالي، ينتهي وقت الذبح في اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، استنادًا إلى قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:

كلُّ عرفاتٍ موقفٌ وارفَعوا عن عُرنةَ وكلُّ مزدلِفةَ موقفٌ وارفَعوا عن مُحسِّرٍ فكُلُّ فجاجِ منًى مَنحَرٌ وفي كلِّ أيَّامِ التَّشريقِ ذبحٌ.” [6][7]

السبب وراء النهي عن الذبح في الليل

النهي عن ذبح الأضحية ليلاً يستند إلى عدة أسباب وحكم، منها:

  • الظلام قد يؤدي إلى الخطأ في موضع الذبح [مرجع].
  • الليل فيه ستر وخفاء، والأفضل في الأضحية أن تكون علنية [مرجع].
  • احتمالية فساد اللحم وتغيره قبل طلوع النهار [مرجع].
  • صعوبة توزيع الأضحية في الليل لقلة تواجد الفقراء [مرجع].

تعريف الأضحية وأهمية تشريعها

الأضحية لغةً: هي الذبح في وقت الضحى. واصطلاحاً: هي ما يذبح من الإبل أو البقر أو الغنم أو المعز تقرباً إلى الله تعالى في يوم العيد، وهي سنة مؤكدة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- [مرجع]. وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبها على القادر، مع تحميله الإثم عند تركها مع القدرة [مرجع].

شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة، وقد وردت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الدالة على مشروعيتها، ففي القرآن الكريم قال -تعالى-:

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ” [13]

وفي السنة، جاءت الكثير من الأحاديث التي ترغب وتحث عليها، منها ما رواه أنس بن مالك -رضيَ الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال:

ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا.” [14]

وقد أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية [مرجع].

أما الحكمة من مشروعيتها فتكمن في إحياء سنة إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل -عليهما السلام-، حيث امتثلا لأمر الله تعالى وأقبلا على تنفيذه دون اعتراض. وفي الأضحية تتجلى معاني الشكر لله -عز وجل- على نعمه التي لا تحصى، وأهمها نعمة الحياة. والتقرب إلى الله تعالى بالأضحية أفضل عنده من إخراج قيمتها صدقة؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء من بعده فعلوا ذلك. وقد روت عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:

ما عملَ آدميٌّ من عملٍ يومَ النحرِ أحبُّ إلى اللهِ من إهراقِ دمٍ، وإنهُ ليأتي يومَ القيامةِ في قرنِه بقرونِها وأشعارِها وأظلافِها، وإنَّ الدمَ ليقعُ من اللهِ بمكانٍ قبلَ أن يقعَ في الأرضِ فطِيبُوا بها نفسًا.” [16][15]

المواصفات اللازمة للأضحية وما يصح منها

يجب أن تتوافر في الأضحية مجموعة من الشروط الأساسية، وهي:

  1. أن تكون من بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم (ضأناً ومعزاً). فمن ذبح غيرها لم تعتبر أضحية [مرجع].
  2. بلوغ البهيمة السن المعتبر شرعاً: الإبل (5 سنوات)، البقر (سنتان)، المعز (سنة)، الضأن (6 أشهر). لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
  3. لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ علَيْكُم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ.” [18][17][19]

  4. خلو البهيمة من العيوب: التي تمنع من الإجزاء، وقد وردت هذه العيوب في قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
  5. لا يجوزُ مِنَ الضحايا: العَوْرَاءُ الَبيِّنُ عَوَرُهَا، والعَرْجَاءُ البَيِّنُ عَرَجُهَا، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا، و العَجْفَاءُ التي لا تُنْقِي.” [20]

    ويقاس عليها ما كان مثلها أو أشد [مرجع]. فالعيوب تؤثر على صحة البهيمة وتقلل من لحمها [مرجع].

  6. الذبح في الوقت المحدد شرعاً: فما كان قبل الوقت أو بعده فهو ليس أضحية، إلا لعذر كالنسيان أو ضياع البهيمة [مرجع].
  7. إسلام الذابح: شرط عند المالكية [مرجع].
  8. التفرد بدفع قيمة الأضحية: شرط خاص بالمالكية [مرجع]. وعند غيرهم يجوز الاشتراك في ثمن الأضحية من الإبل أو البقر بعدد سبعة.

ملخص البحث

تعددت الآراء في حكم ذبح الأضحية ليلاً، بين مجيز مع الكراهة ومانع. وذلك لأن الذبح بالليل قد يضر بالأضحية والمستفيدين منها. ويبدأ وقت الذبح بانتهاء صلاة العيد ويمتد حتى نهاية أيام التشريق. ويشترط في الأضحية شروط محددة، كبلوغها سناً معيناً وأن تكون من بهيمة الأنعام.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

مشروعية الذبح للأضحية بقصد الاستشفاء

المقال التالي

التوقيت الشرعي لذبح الأضحية وأحكامه

مقالات مشابهة