مقدمة
سورة النبأ، من السور المكية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة. تتناول السورة قضايا جوهرية تتعلق بالإيمان، وعلى رأسها قضية البعث والنشور، التي كانت محل جدال وشك من قبل المشركين. تتجلى أهمية هذه السورة في تناولها لهذه القضية بأسلوب مقنع ومؤثر، مع ذكر دلائل قدرة الله في الكون والحياة.
أسماء سورة النبأ ودلالاتها
تُعرف سورة النبأ بعدة أسماء، وكل اسم يحمل دلالة خاصة. الاسم الأشهر هو “سورة النبأ” نسبة إلى كلمة “النبأ” التي وردت في أول آية من السورة. كما تُعرف أيضًا بـ “سورة عمّ” نسبة إلى قوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ). ويطلق عليها أيضًا “سورة التساؤل” بسبب وجود كلمة “يتساءلون” في بدايتها. وقد سماها البعض “سورة المعصرات” اقتباساً من قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا).
السبب وراء نزول سورة النبأ
يرجع سبب نزول سورة النبأ إلى كثرة تساؤلات المشركين عن البعث بعد الموت، وعن حقيقة يوم القيامة. كانوا يتساءلون بأسلوب استهزائي، ويكثرون من الأسئلة للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. فجاءت السورة كإجابة شافية لأسئلتهم، وتوضيحًا لحقيقة البعث والنشور. بينت الآيات أصناف الناس، من منكرين ومشككين ومستبعدين، وأكدت على حقيقة النبأ العظيم وهو يوم القيامة.
قال تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ).
توضيح معاني سورة النبأ
تتضمن سورة النبأ إخبارًا عن البعث وأحداث يوم القيامة، كما تتسلسل الآيات في ذكر ما خلق الله في الكون، وجزاء المؤمنين ومصير الكافرين يوم الحساب. وفيما يلي تفصيل لتفسير الآيات:
الاستفسار عن الخبر الهام
تستهل السورة بالاستفهام عن النبأ العظيم الذي يثير تساؤلات الناس، ويشير إلى البعث ويوم القيامة. الآيات الكريمة: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ* كَلَّا سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) تعبر عن استنكار الله لتساؤلات المشركين حول يوم البعث، وتؤكد حقيقة هذا اليوم الذي يختلفون فيه بين مؤمن به وكافر.
هناك وعيد شديد لمن أنكر يوم القيامة والبعث، وتأكيد على أنهم سيعلمون حقيقة هذا النبأ.
دلائل عظمة الخالق
تنتقل السورة لعرض مظاهر قدرة الله في الكون، ودلائل عظمته في الخلق. الآيات الكريمة: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا* وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا* وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا* وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا* وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا* وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا* وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا* وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا* وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا* لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا* وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) تجذب انتباه القارئ إلى عدد من المشاهد العظيمة والعجائب التي تدل على قدرة الله المطلقة.
الأرض ممهدة ومسخرة للإنسان، والجبال رواسي تثبتها، والناس خلقوا أزواجًا، والنوم راحة، والليل سكن، والنهار سعي ورزق، والسماء سقف محفوظ، والشمس سراج منير، والمطر حياة للأرض. كل هذه النعم تدل على قدرة الخالق وعظمته.
وقائع يوم الحساب
تصف السورة أهوال يوم القيامة، والأحداث التي تسبق ذلك اليوم العظيم. الآيات الكريمة: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا* يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا* وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا* وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) تصور لنا يوم الفصل الذي جعله الله موعدًا للفصل بين الحق والباطل. النفخ في الصور إيذان ببدء الحساب، والناس يأتون أفواجًا، والسماء تنشق وتصبح أبوابًا، والجبال تزول وتتحول إلى سراب.
جزاء الكافرين والمؤمنين يوم الدين
توضح السورة مصير الكافرين وجزاء المؤمنين في الآخرة، وتبين عدل الله في الحكم بين عباده. الآيات الكريمة: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا* لِّلطَّاغِينَ مَآبًا* لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا* لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا* إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا* جَزَاءً وِفَاقًا* إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا* وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا* وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا* فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا* إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا* حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا* وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا* وَكَأْسًا دِهَاقًا* لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا* جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا* رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَـنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) تبين أن جهنم مرصد للطاغين، ومصيرهم الخلود فيها، ولا يجدون فيها راحة ولا شرابًا إلا الحميم والغساق. هذا جزاء عادل لما كانوا يكذبون بآيات الله ولا يرجون حسابه.
في المقابل، أعد الله للمتقين فوزًا عظيمًا، وحدائق وأعنابًا، وكواعب أترابًا، وكأسًا دهاقًا، ولا يسمعون فيها لغوًا ولا كذبًا. هذا عطاء جزيل من الله الرحمن الرحيم.
ندم الكافرين يوم الحساب
تختتم السورة بوصف حسرة الكافرين وندمهم يوم القيامة. الآيات الكريمة: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا* إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) تصور لنا حال الكافر الذي يتمنى لو لم يبعث للحساب، ويتمنى لو بقي ترابًا ولم يذق العذاب.
ملخص وتأملات
في الختام، تقدم سورة النبأ إخبارًا عظيمًا عن حقيقة البعث ويوم القيامة، وتعرض دلائل قدرة الله في الكون، وتبين مصير الكافرين والمؤمنين. إنها دعوة للتفكر والاعتبار، والاستعداد ليوم الحساب.