دراسة حول التحلي بالصبر والإيمان الراسخ

استكشاف مفهوم الصبر، أنواعه، أهميته، ومجالاته المتعددة في حياة المسلم، بالإضافة إلى نظرة شاملة على الإيمان الراسخ ومراتبه وصفات أهله وفضله العظيم.

التحلي بالصبر

إنّ الصبر من أعظم الفضائل التي حثّ عليها الإسلام، فهو علامة على قوة الإيمان ورسوخه في القلب. ويعتبر الصبر جوهر العبادة وأساس التقوى، وهو مفتاح الفرج في الشدائد والمحن. وسنتناول في هذا المقال مفهوم الصبر، وأنواعه، ومجالاته المتعددة، وفضائله العظيمة.

بيان معنى الصبر

في اللغة، يدل الصبر على الحبس والكفّ، وهو ضدّ الجزع. يقال: صبر فلانٌ صبراً، أي تجلّد عند المصيبة ولم يظهر تضجره. كما يأتي بمعنى الانتظار، فيقال: صبّر نفسه، أي حبسها وضبطها. ويُطلق الصبر أيضاً على الصوم، لما فيه من إمساك النفس عن شهواتها.

أما في الاصطلاح الشرعي، فالصبر هو خُلُقٌ فاضلٌ يمنع صاحبه من فعل القبيح وارتكاب السيئات، ويعينه على إصلاح نفسه وتقويم سلوكه، ويزيد من قدرته على التحمل في مواجهة المشاق والآلام.

وقد سُئل الإمام الجنيد -رحمه الله تعالى- عن معنى الصبر فقال: “الصبر هو تجرّع الإنسان لمرارة الأمور من غير عبوس في وجهه.” وقال ذو النون المصري: “هو اجتناب المخالفات، والهدوء عند تجرّع غصص المصائب والبليّات، وأظهار العبد لغناه عن الناس عند نزول الفقر به، وهو استقبال المصائب بجميل الأدب.”

أصناف الصبر

يمكن تقسيم الصبر إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

  • الصبر على فعل الطاعات: وهو الصبر على أداء أوامر الله تعالى، والتغلب على مشقة العبادة وثقلها على النفس. فالنفس البشرية مجبولة على الكسل والنفور من العبودية، وتحتاج إلى مجاهدة مستمرة لأداء الطاعات بإخلاص ورغبة.
  • الصبر عن فعل المعاصي: وهو الصبر على ترك المحرمات والابتعاد عن المنكرات، ومخالفة هوى النفس والشيطان. فالنفس تميل إلى الشهوات والملذات المحرمة، وتحتاج إلى قوة إيمان وعزيمة صادقة للامتناع عنها.
  • الصبر على أقدار الله: وهو الصبر عند وقوع المصائب والابتلاءات، كالمرض وفقدان الأحبة والرزق. ويكون ذلك بالرضا بقضاء الله والتسليم له، وعدم الجزع والتسخط.

والصبر على الطاعات وعن المعاصي هو أرفع من الصبر على الأقدار، لأنه صبر اختياري بإرادة الإنسان، بينما الصبر على الأقدار هو صبر اضطراري لا مفر منه. ولكن الصبر على الأقدار مع الرضا يوجب الأجر والثواب.

ميادين الصبر

يحتاج الإنسان إلى الصبر في مختلف جوانب حياته، ومن أهم مجالاته:

  • ضبط النفس عند الشعور بالملل والضجر من الأعمال التي تحتاج إلى جهد ومثابرة.
  • منع النفس من التسخط على قضاء الله وقدره عند نزول الشدائد.
  • إمساك النفس عن الاستعجال والطيش عند السعي لتحقيق هدف ما.
  • كظم الغضب والتريث قبل اتخاذ القرارات في المواقف الصعبة.
  • تثبيت النفس عند الشعور بالخوف والتحلي بالشجاعة.
  • منع النفس من الطمع عند وجود مغريات غير مشروعة.
  • ضبط النفس عن الانقياد للرغبات والشهوات المحرمة.
  • تربية النفس على تحمل المشاق والصعوبات والآلام.

قيمة الصبر

للصبر فضائل عظيمة ترفع من شأنه وتحث على التمسك به، منها:

  • معية الله تعالى للصابرين، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]، ومعية الله تقتضي التوفيق والتأييد والنصر.
  • دخول الجنة بغير حساب، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].
  • ذكر الصبر في القرآن الكريم في أكثر من تسعين موضعاً، وأمر الله به في آيات كثيرة، ونهى عن ضده، وبين حسن عاقبته.

حقيقة اليقين

الإيمان الراسخ هو أساس الدين وقوامه، وهو الثمرة الطيبة للإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وسنتناول في هذا المقال مفهوم الإيمان الراسخ ومراتبه وصفات أهله وفضائله العظيمة.

توضيح معنى اليقين

الإيمان الراسخ في اللغة هو العلم بالشيء وزوال الشك فيه وتحقيق الأمر. أما في الاصطلاح الشرعي، فهو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع، وهو العلم الثابت في الفؤاد والمستقر فيه على وجه لا يقبل الزوال.

ويقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “اليقين هو جماع الإيمان كله.” فالإيمان الراسخ إيمان لا مجال للشك فيه، وهو من أعلى مراتب الإيمان وأكملها.

درجات اليقين

ذكر الله تعالى مراتب الإيمان الراسخ في كتابه الكريم، وهي:

  • علم اليقين: وهو التصديق التام القطعي بالشيء، بحيث لا يبقى معه شك أو ارتياب.
  • عين اليقين: وهي درجة الرؤية والمشاهدة والمعاينة، التي تفوق مجرد العلم والسمع.
  • حق اليقين: وهو الإحساس بالشيء المعلوم عند مباشرته ورؤيته.

خصال أهل اليقين

لأهل الإيمان الراسخ صفات كثيرة، منها:

  • سهولة مصائب الدنيا وشدائدها عليهم، وتمسكهم بالصبر عند نزولها. فعن عبدالله بن عمر-رضي الله عنه- قال:(قلَّما كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقومُ من مَجلسٍ حتَّى يدعوَ بِهَؤلاءِ الكلِماتِ لأصحابِهِ : اللَّهمَّ اقسِم لَنا من خشيتِكَ ما يَحولُ بينَنا وبينَ معاصيكَ ، ومن طاعتِكَ ما تبلِّغُنا بِهِ جنَّتَكَ ، ومنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَينا مُصيباتِ الدُّنيا ، ومتِّعنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتنا ما أحييتَنا ، واجعَلهُ الوارثَ منَّا ، واجعَل ثأرَنا على من ظلمَنا ، وانصُرنا علَى من عادانا ، ولا تجعَل مُصيبتَنا في دينِنا ، ولا تجعلِ الدُّنيا أَكْبرَ همِّنا ولا مبلغَ عِلمِنا ، ولا تسلِّط علَينا مَن لا يرحَمُنا). [صحيح الترمذي]
  • شعورهم بسكون النفس وطمأنينة الفؤاد، وعدم تحسرهم على ما مضى من زينة الدنيا.
  • توكلهم على الله تعالى في سائر أمورهم. فعن أبي بكر الصديق-رضي الله عنه- قال:(كُنْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الغَارِ فَرَأَيْتُ آثَارَ المُشْرِكِينَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لو أنَّ أحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا، قالَ: ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا). [صحيح البخاري]
  • شدة إنفاقهم وعطائهم في سبيل الله تعالى. قال الله عز وجل:( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 22].
  • اتصافهم بالاستقامة والخشوع.
  • زهدهم في الدنيا وقصر طمعهم فيها.
  • كثرة انتفاعهم وتأملهم بآيات الله تعالى التي تتحدث عن كونه وشرعه. قال الله سبحانه وتعالى:( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ) [الذاريات: 20].

أثر اليقين

لليقين فضائل عظيمة يدل عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنها:

  • مغفرة الذنوب والمعاصي. فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(أَسْرَفَ رَجُلٌ علَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فأحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي في الرِّيحِ في البَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا ما عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا، قالَ فَفَعَلُوا ذلكَ بِهِ، فَقالَ لِلأَرْضِ: أَدِّي ما أَخَذْتِ، فَإِذَا هو قَائِمٌ، فَقالَ له: ما حَمَلَكَ علَى ما صَنَعْتَ؟ فَقالَ: خَشْيَتُكَ، يا رَبِّ، أَوْ قالَ مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ له بِذلكَ). [صحيح مسلم]
  • نهضة الأمة الإسلامية وصلاحها. فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(صلاحُ أولَ هذه الأمةِ بالزهدِ و اليقينِ، و يهلكُ آخرُها بالبخلِ و الأملِ). [الجامع الصغير للسيوطي]
  • إنارة بصيرة المسلم بأمر الدنيا والآخرة.

المصادر

  • القرآن الكريم
  • صحيح البخاري
  • صحيح مسلم
  • صحيح الترمذي
  • الجامع الصغير للسيوطي
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تأملات في خُلق الصبر وأبعاده

المقال التالي

استكشاف مفهوم الصحة والرفاهية الشاملة

مقالات مشابهة