دراسة تحليلية لقصيدة: لي في من مضى مثل للبارودي

تحليل شامل لقصيدة ‘لي في من مضى مثل’ للمبدع البارودي، يتضمن استكشافًا للأفكار الرئيسية، والجماليات الفنية، والإيقاع الشعري.

نظرة عامة

عند التأمل في أبيات هذه القصيدة، يتضح أن الشاعر يتناول مجموعة متنوعة من الأفكار. يبدأ القصيدة بمقدمة عاطفية، يصف فيها تجربة الحب ومعاناة الوقوع فيه. يعبر الشاعر عن حزنه لفقدان المحبوبة، التي رحلت مع أهلها، ويراقب رحيلهم بقلب دامع، متذكرًا أيام الوصال. يتضح ذلك في قوله:

رَدَّ الْصِّبَا بَعْدَ شَيْبِ اللِّمَّةِ الْغَزَلُوَرَاحَ بِالْجِدِّ مَا يَأْتِي بِهِ الْهَزَلُوَعَادَ مَا كَانَ مِنْ صَبْرٍ إِلَى جَزَعٍبَعْدَ الإِبَاءِ وَأَيَّامُ الْفَتَى دُوَلُفَلْيَصْرِفِ اللَّوْمَ عَنِّي مَنْ بَرِمْتُ بِهِفَلَيْسَ لِلْقَلْبِ فِي غَيْرِ الْهَوَى شُغُلُوَكَيْفَ أَمْلِكُ نَفْسِي بَعْدَ مَا ذَهَبَتْيَوْمَ الْفِرَاقِ شَعَاعاً إِثْرَ مَنْ رَحَلُواتَقَسَّمَتْنِي النَّوَى مِنْ بَعْدِهِمْ وَعَدَتْعَنْهُمْ عَوَادٍ فَلا كُتْبٌ وَلا رُسُلُفَالصَّبْرُ مُنْخَذِلٌ وَالدَّمْعُ مُنْهَمِلٌوَالعَقْلُ مُخْتَبِلٌ وَالْقَلْبُ مُشْتَغِلُأَرْتَاحُ إِنْ مَرَّ مِنْ تِلْقَائِهِمْ نَسَمٌتَسْرِي بِهِ فِي أَرِيجِ الْعَنْبَرِ الأُصُلُسَارُوا فَمَا اتَّخَذَتْ عَيْنِي بِهِمْ بَدَلاًإِلا الْخَيَالَ وَحَسْبِي ذَلِكَ الْبَدَلُفَخَلِّ عَنْكَ مَلامِي يَا عَذُولُ فَقَدْسَرَّتْ فُؤَادِي عَلَى ضَعْفٍ بِهِ الْعِلَلُ

ثم يقدم الشاعر مبررات لحالته هذه، مستعرضًا تأثير الحب وقدرته على إضعاف الإنسان، مؤكدًا أن الحب يسوي بين القوي والضعيف في الألم والمعاناة. يحذر من الوقوع في الحب، مشيرًا إلى صعوبته وتأثيره العميق، كما يتضح في قوله:

لا تَحْسَبَنَّ الْهَوَى سَهْلاً فَأَيْسَرُهُخَطْبٌ لَعَمْرُكَ لَوْ مَيَّزْتَهُ جَلَلُيَسْتَنْزِلُ الْمَلْكَ مِنْ أَعْلَى مَنَابِرِهِوَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الرِّعْدِيدُ وَالْبَطَلُفَكَيْفَ أَدْرَأُ عَنْ نَفْسِي وَقَدْ عَلِمَتْأَنْ لَيْسَ لِي بِمُنَاوَاةِ الْهَوَى قِبَلُفَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى شَيءٍ هَمَمْتُ بِهِفِي الْحُبِّ لَكِنْ قَضَاءٌ خَطَّهُ الأَزَلُوَلِلْمَحَبَّةِ قَبْلِي سُنَّةٌ سَلَفَتْفِي الذَّاهِبِينَ وَلِي فِيمَنْ مَضَى مَثَلُ

بعد ذلك، ينتقل الشاعر إلى وصف سيفه، مبالغًا في وصف قوته وحدته ولمعانه. يصفه بأنه سيف مهيب يخافه الفرسان، ولا ينجو منه خصم، مهما كانت قوته. يرى الشاعر أن هذا السيف يليق به وبمكانته، كما يتجلى في قوله:

فَقَدْ أَسِيرُ أَمَامَ الْقَوْمِ ضَاحِيَةًوَالْجَوُّ بِالْبَاتِرَاتِ الْبِيضِ مُشْتَعِلُبِكُلِّ أَشْقَرَ قَدْ زَانَتْ قَوَائِمَهُحُجُولُهُ غَيْرَ يُمْنَى زَانَهَا الْعَطَلُكَأَنَّهُ خَاضَ نَهْرَ الصُّبْحِ فَانْتَبَذَتْيُمْنَاهُ وَانْبَثَّ فِي أَعْطَافِهِ الطَّفَلُزُرْقٌ حَوَافِرُهُ سُودٌ نَوَاظِرُهُخُضْرٌ جَحَافِلُهُ فِي خَلْقِهِ مَيَلُكَأَنَّ فِي حَلْقِهِ نَاقُوسَ رَاهِبَةٍبَاتَتْ تُحَرِّكُهُ أَوْ رَاعِدٌ زَجِلُيَمُرُّ بِالْوَحْشِ صَرْعَى فِي مَكَامِنِهَافَمَا تَبِينُ لَهُ شَدّاً فَتَنْخَذِلُيَرَى الإِشَارَةَ فِي وَحْيٍ فَيَفْهَمُهَاوَيَسْمَعُ الزَّجْرَ مِنْ بُعْدٍ فَيَمْتَثِلُلا يَمْلِكُ النَّظْرَةَ الْعَجْلاءَ صَاحِبُهَاحَتَّى تَمُرَّ بِعِطْفَيْهِ فَتُحْتَبَلُإِنْ مَرَّ بِالْقَوْمِ حَلُّوا عَقْدَ حَبْوَتِهِمْوَاسْتَشْرَفَتْ نَحْوَهُ الأَلْبَابُ وَالْمُقَلُتَقُودُهُ بِنْتُ خَمْسٍ فَهُوَ يَتْبَعُهَاوَيَسْتَشِيطُ إِذَا هَاهَى بِهِ الرَّجُلُأُمْضِي بِهِ الْهَوْلَ مِقْدَامَاً وَيَصْحَبُنِيمَاضِي الْغِرَارِ إِذَا مَا اسْتَفْحَلَ الْوَهَلُ

ثم ينتقل الشاعر إلى الحكمة والنصيحة، ويقدم للمتلقي إرشادات أخلاقية، مثل تجنب النميمة والغيبة، وعدم مصاحبة رفاق السوء، والحذر من الأعداء، وكتمان الأسرار، والتريث وعدم التسرع في الحكم.

الفحص الفني للقصيدة

في هذه القصيدة، يعمق الشاعر وصفه للسيف ويبالغ فيه، مصورًا إياه كسلاح أسطوري، شديد اللمعان كالوهج، وخفيف الوزن وسريع الحركة كالبرق. يهدف هذا الوصف إلى إبراز مكانة الشاعر الرفيعة كفارس لا يليق به إلا هذا السلاح المميز.

فَقَدْ أَسِيرُ أَمَامَ الْقَوْمِ ضَاحِيَةًوَالْجَوُّ بِالْبَاتِرَاتِ الْبِيضِ مُشْتَعِلُبِكُلِّ أَشْقَرَ قَدْ زَانَتْ قَوَائِمَهُحُجُولُهُ غَيْرَ يُمْنَى زَانَهَا الْعَطَلُكَأَنَّهُ خَاضَ نَهْرَ الصُّبْحِ فَانْتَبَذَتْيُمْنَاهُ وَانْبَثَّ فِي أَعْطَافِهِ الطَّفَلُزُرْقٌ حَوَافِرُهُ سُودٌ نَوَاظِرُهُخُضْرٌ جَحَافِلُهُ فِي خَلْقِهِ مَيَلُكَأَنَّ فِي حَلْقِهِ نَاقُوسَ رَاهِبَةٍبَاتَتْ تُحَرِّكُهُ أَوْ رَاعِدٌ زَجِلُيَمُرُّ بِالْوَحْشِ صَرْعَى فِي مَكَامِنِهَافَمَا تَبِينُ لَهُ شَدّاً فَتَنْخَذِلُيَرَى الإِشَارَةَ فِي وَحْيٍ فَيَفْهَمُهَاوَيَسْمَعُ الزَّجْرَ مِنْ بُعْدٍ فَيَمْتَثِلُلا يَمْلِكُ النَّظْرَةَ الْعَجْلاءَ صَاحِبُهَاحَتَّى تَمُرَّ بِعِطْفَيْهِ فَتُحْتَبَلُإِنْ مَرَّ بِالْقَوْمِ حَلُّوا عَقْدَ حَبْوَتِهِمْوَاسْتَشْرَفَتْ نَحْوَهُ الأَلْبَابُ وَالْمُقَلُتَقُودُهُ بِنْتُ خَمْسٍ فَهُوَ يَتْبَعُهَاوَيَسْتَشِيطُ إِذَا هَاهَى بِهِ الرَّجُلُأُمْضِي بِهِ الْهَوْلَ مِقْدَامَاً وَيَصْحَبُنِيمَاضِي الْغِرَارِ إِذَا مَا اسْتَفْحَلَ الْوَهَلُ

كما يرسم الشاعر صورة للصيد والرفاق، ويصف أصحابه بأنهم مرحون، يضفون على الرحلة بهجة وسعادة، حتى أن الخيل تتمنى مشاركتهم اللعب والمرح. ومع ذلك، يؤكد الشاعر أنهم حققوا أهدافهم واصطادوا أفضل الصيد في وقت قصير.

بَلْ رُبَّ سَارِيَةٍ هَطْلاءَ دَانِيَةٍتَنْمُو السَّوَامُ بِهَا وَالنَّبْتُ يَكْتَهِلُكَأَنَّ آثَارَهَا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍرَيْطٌ مُنَشَّرَةٌ فِي الأَرْضِ أَوْ حُلَلُيَمَّمْتُهَا بِرِفَاقٍ إِنْ دَعَوْتُ بِهِمْلَبُّوا سِرَاعَا وَإِنْ أَنْزِلْ بِهِمْ نَزَلُواقَصْداً إِلَى الصَّيْدِ لا نَبْغِي بِهِ بَدَلاًوَكُلُّ نَفْسٍ لَهَا فِي شَأْنِهَا عَمَلُحَتَّى إِذَا أَلْمَعَ الرُّوَّادُ مِنْ بعْدوَجَاءَ فَارِطُهُمْ يَعْلُو وَيَسْتَفِلُتَغَاوَتِ الْخَيْلُ حَتَّى كِدْنَ مِنْ مَرَحٍيَذْهَبْنَ فِي الأَرْضِ لَوْلا اللُّجْمُ وَالشُّكُلُفَمَا مَضَتْ سَاعَةٌ أَوْ بَعْضُ ثَانِيَةٍإِلا وَلِلصَّيْدِ فِي سَاحَاتِنَا نُزُلُ

البنية الإيقاعية للقصيدة

تُكتب هذه القصيدة على البحر البسيط، وهو بحر طويل يتيح للشاعر مساحة واسعة للتعبير. تتنوع القصيدة في مواضيعها بين الغزل والفخر والحكمة، مما يخلق تفاوتًا في العاطفة يتناسب مع طبيعة البحر البسيط.

تتميز القصيدة بقافية موحدة تعتمد على حرف اللام، الذي يولد ترددًا صوتيًا يخلق إيقاعًا موسيقيًا داخليًا، ويتيح للشاعر إطالة الحرف الأخير في النطق، كما يتضح في البيت الأول الذي يعتمد على التصريع، حيث تتشابه القافية في الشطرين الأول والثاني.

المصادر

  1. “رد الصبا بعد شيب اللمة الغزل”، الديوان، تم الاطلاع عليه بتاريخ 12/3/2022. بتصرّف.
  2. وليد مسعود (11/9/2011)، “تحليل قصيدة لي في من مضى مثل – محمود سامي البارودي”، منهجيتي، تم الاطلاع عليه بتاريخ 12/3/2022. بتصرّف.
  3. سمر سدر، “البحر البسيط وتفعيلاته”، بيت القصيد، تم الاطلاع عليه بتاريخ 12/3/2022. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نظرة تحليلية في قصيدة: كذبتك عينك أم رأيت بواسط

المقال التالي

قراءة في قصيدة: متى يا كرام الحي لأبي مدين التلمساني

مقالات مشابهة