الخلاصة حول الإيمان بالقدر
إن الاستيعاب العميق لمعنى الإيمان بالقدر، واستقرار يقين المؤمن بأن كل ما يصيبه في هذه الحياة، من خير ونعمة أو ابتلاء ومشقة، هو بتقدير الله وحكمته العظيمة، لهو من أعظم ما يجلب السكينة والراحة للقلب. هذا الإيمان يمنح المؤمن طمأنينة ورضا بكل ما يحيط به في هذا الكون الفسيح، مما ليس له فيه حيلة أو تدبير. وقد قال الله –عز وجل– في كتابه الكريم: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
عندما يرسخ الإيمان بالقضاء والقدر في قلب المؤمن، ويفهم معناه الحق، فإنه يرتقي في درجات القرب من الله، ويزداد حباً له وتقرباً إليه. وقد ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قوله الشريف: ﴿عَجَبا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له﴾.
إن المؤمن الحق يمتلك قلباً هادئاً وراضياً بما قدره الله له، فيفيض الله على قلبه السعادة والراحة والرضا، فلا يجد لذة أعظم من هذه. ولنا في سير الصالحين أسوة حسنة؛ فقد تجملوا بالإيمان الراسخ بالقضاء والقدر، فرفعهم الله في الدنيا والآخرة، ومنحهم السعادة الأبدية. ومقولة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– خير مثال على ذلك: “لا أبالي على أيهما أصبحت أو أمسيت، على ما أحب أو على ما أكره، لأنني لا أدري أيهما خير لي”.
أما فيما يتعلق بما يقع في دائرة عمل الإنسان وجهده؛ فإن المؤمن الصادق الذي يسعى للاستقامة وإرضاء الله في كل ما يفعل، يحمد الله ويشكره على فضله العظيم. وإذا وجد في نفسه تقصيراً، فإنه يسارع إلى التغيير بالندم والإنابة، والرجوع إلى الله بتوبة خالصة تمحو عنه ما يقلقه وتقربه من الله –عز وجل-، متذكراً قول الله –تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.
مدخل إلى مفهوم الإيمان بالقدر
الإيمان بالقضاء والقدر هو التصديق الكامل والجازم الذي لا يخالطه شك، وهو أساس من أسس العقيدة الإسلامية. أما القدر، فيشير إلى تقدير الله لكل ما سيحدث لخلقه، ويشمل الكون بأسره وما يحتويه، وفقاً لعلمه السابق وحكمته البالغة. والقضاء هو تنفيذ الله لما قدره. وبشكل عام، فإن مصطلحي القضاء والقدر يتضمنان عنصري التقدير والتنفيذ معاً، أي تقدير الله للأشياء قبل وقوعها وإنفاذ هذا التقدير.
الإيمان بالقضاء والقدر فرض عين على كل مسلم، فهو أحد أركان الإيمان الستة التي لا يكتمل إيمان المرء إلا بها. وهناك أدلة قاطعة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى الأدلة العقلية والمنطقية. وبناءً على هذا الإيمان، تترتب على المسلم آثار إيجابية في حياته وسلوكه.
انعكاسات الإيمان بالقدر في سلوك المسلم
يترتب على الإيمان بالقضاء والقدر جملة من الآثار العظيمة، والتي نورد بعضاً منها فيما يلي:
- التأكد من أن الله –تعالى– هو الخالق لكل شيء، وأن إرادته نافذة في جميع خلقه.
- الثبات والاستقامة في السراء والضراء، اقتداءً بقوله –تعالى–: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾، مما يدفع المؤمن إلى مواجهة الصعاب والمخاطر بكل ثبات، لعلمه بأن كل شيء مقدر ومكتوب، وأنه بيد الله وحده.
- الإخلاص في العمل، وابتغاء وجه الله وحده في كل الأعمال، والتوكل على الله الذي هو جوهر العبادة.
- الخوف من الله –تعالى– مع حسن الظن به ورجاء رحمته، والرضا بما قسم، والتواضع مهما بلغ من المال أو الجاه، لعلمه أن كل ذلك من عند الله، وهو قادر على أن يسلبه إياه.
- القناعة وعزة النفس، والبعد عن الحسد والسخط والاعتراض على قضاء الله.
- الإيمان بالقدر يورث الطمأنينة والسَّكينة في القلب، ويصغر كل شيء في عين المؤمن سوى الله، ويزيد من يقينه بقدرة الله العظيمة، ويعلم الإنسان الشكر في السراء والضراء، ويربيه على الصبر والاحتساب عند المصائب.
- نيل المسلم السعادة في الدنيا والآخرة، واكتساب اليقين، والهمة العالية، والإرادة القوية.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم، سورة البقرة، آية: 216.
- القرآن الكريم، سورة البقرة، آية: 222.
- القرآن الكريم، سورة المعارج، آية: 19-22.
- عبد الرحمن الميداني، العقيدة الإسلامية وأساسها، صفحة 801-802. بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم:2999، صحيح.
- إيهاب عبدالجليل عباس، “الإيمان بالقضاء والقدر”، صيد الفوائد.