مقدمة
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي عبادة مالية ذات أهمية عظيمة في الشريعة الإسلامية. تهدف إلى تطهير المال وتقوية الروابط الاجتماعية بين المسلمين، وتوزيع الثروة بشكل عادل. وتثار أسئلة عديدة حول كيفية إخراج الزكاة وتوزيعها على المستحقين، ومن بين هذه الأسئلة: هل يجوز إعطاء الزكاة لشخص واحد فقط؟ وما هي الأمور التي يجب مراعاتها عند إخراج الزكاة؟ وكيف يتم توزيع الزكاة على الأصناف الثمانية التي حددها الله تعالى؟ هذا ما سنتناوله في هذا النص.
حكم تخصيص الزكاة لشخص بمفرده
يرى جمهور العلماء أنه من الجائز شرعًا إعطاء الزكاة لشخص واحد من أحد الأصناف المذكورة في القرآن الكريم، أو توجيهها لمصرف واحد من مصارف الزكاة. ولا مانع من تكرار إعطاء الزكاة لنفس الشخص أو لنفس الصنف في كل عام، على أن يكون المبلغ المصروف كافيًا لسد حاجة المستحق وتلبية متطلباته الأساسية طوال العام. ويستدلون على ذلك بما روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حين قال لقبيصة:
“أقِم يا قَبيصةُ حتَّى تأتيَنا الصَّدقةُ فَنَأْمرَ لَكَ بِها.” [رواه الألباني في صحيح أبي داود، عن قبيصة بن مخارق، الصفحة أو الرقم:1640، صحيح.]
بينما يرى بعض الفقهاء أنه في حال كان مال الزكاة كبيرًا، فمن الأفضل توزيعه على جميع الأصناف المستحقة بالتساوي، مع مراعاة حاجة كل صنف. أما إذا كان المال قليلًا، فيمكن تخصيصه لصنف واحد أو لشخص واحد بعينه. وينبغي على الإمام أو المكلف بالزكاة أن يعطي أفراد الصنف الواحد بالتساوي، إلا إذا كانت حاجات بعضهم أشد من غيرهم، فيراعى ذلك عند التوزيع.
ضروريات يجب الانتباه إليها عند إخراج الزكاة
لقد حدد الله تعالى ثمانية أصناف من المستحقين للزكاة في قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة، آية: 60].
ولا يجوز صرف الزكاة لغير هذه الأصناف. وعند إخراج الزكاة، يجب مراعاة الأمور التالية:
- إعطاء الأولوية للفقراء والمساكين: يجب البدء بالفقراء والمساكين وسد حاجاتهم الأساسية قبل غيرهم من الأصناف.
- توزيع الزكاة على جميع الأصناف في حال كثرة المال: إذا كان مال الزكاة كبيرًا، فينبغي توزيعه على جميع الأصناف الثمانية إذا كانوا موجودين، ويتم التوزيع من قبل الإمام أو الحاكم.
- تخصيص الزكاة لشخص واحد في حال قلّة المال: إذا كان المال قليلًا، فيمكن إعطاؤه لفقير واحد أو مسكين واحد حتى ينتفع به ويسد حاجته.
- مراعاة حاجة المستحق: يجب النظر في حاجة كل مستحق من مستحقي الزكاة، وإعطاء الأولوية لمن كانت حاجته أشد.
آلية توزيع الزكاة على الفئات المستحقة
يتم توزيع الزكاة على الأصناف الثمانية حسب حاجة كل صنف، ولا يجوز الزيادة على حاجتهم، لقوله تعالى:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة، آية: 60].
وفيما يلي تفصيل لكيفية التوزيع على كل صنف:
- الفقير: يُعطى الفقير ما يكفيه من النفقة والكسوة والسكن لمدة عام كامل.
- المسكين: يُصرف للمسكين ما يسد حاجته من النفقة لمدة عام كامل.
- العامل: يُعطى العامل على الزكاة أجرة عمله، حتى وإن كان غنيًا.
- المؤلفة قلوبهم: يُعطى المؤلفة قلوبهم من مال الزكاة، وهم الذين دخلوا الإسلام حديثًا، وذلك لتأليفهم على الإسلام، حتى وإن كانوا أغنياء.
- الغارمين: يُعطى الغارمون الذين لا يستطيعون سداد ديونهم ما يسد ديونهم، ولو كان الغارم قد تحمل الدين لإصلاح ذات البين، فيُعطى ولو كان غنيًا تشجيعًا له.
- الغازي في سبيل الله: يُعطى الغازي في سبيل الله ما يجهزه للقتال إذا لم يكن له مرتب للغزو، ولو كان غنيًا.
- ابن السبيل: يُعطى ابن السبيل ما يوصله إلى بلده، ولو كان غنيًا في بلده.
إذا اجتمع في الشخص الواحد أكثر من صفة من صفات المستحقين للزكاة، كأن يكون فقيرًا وعاملاً على الزكاة، فيُصرف له من الزكاة ما يسد حاجته من الفقر وأجرة عمله.
خاتمة
في الختام، يتضح أن الشريعة الإسلامية قد وضعت أحكامًا واضحة ومفصلة فيما يتعلق بإخراج الزكاة وتوزيعها على المستحقين، مع مراعاة الظروف والأحوال المختلفة. وتهدف هذه الأحكام إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل بين المسلمين، وتلبية حاجات الفقراء والمحتاجين، وتطهير المال وتنميته.