مقدمة
في الشريعة الإسلامية، تنقسم الواجبات التي أمر الله بها عباده إلى نوعين رئيسيين: فرض العين، وفرض الكفاية. ولكل منهما خصائصه وأحكامه التي تميزه عن الآخر. هذا المقال سيسلط الضوء على الفروقات الجوهرية بين هذين النوعين من الفرائض، مع توضيح المقصود بكل منهما، والمسؤولية المترتبة على أدائهما أو تركهما.
تعريف وأبعاد كل من فرض العين وفرض الكفاية
لنفهم أولاً المقصود بكل من هذين المصطلحين:
- فرض العين: هو التكليف الذي يقع على عاتق كل مسلم بالغ عاقل بذاته، ولا يسقط عن أي فرد منهم إلا بأدائه شخصياً. أي أن كل فرد مطالب بالقيام به على الوجه المطلوب شرعاً. مثال ذلك: أداء الصلوات الخمس المفروضة.
- فرض الكفاية: هو التكليف الذي يطلب من مجموع المسلمين، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين. أي أن المقصود هو حصول الفعل وتحققه في المجتمع، لا أن يقوم به كل فرد على حدة. إذ إنّ المقصود منه حصوله من عموم المُكَلّفِينَ وليس جميعهم.
العقوبة المترتبة على ترك كل منهما
يختلف الإثم المترتب على ترك فرض العين عن الإثم المترتب على ترك فرض الكفاية:
- فروض الكفاية: إذا قام البعض بأداء هذا الفرض، سقط الإثم عن الباقين. أما إذا أهمل هذا الفرض ولم يقم به أحد، فإن الإثم يقع على جميع المسلمين القادرين على القيام به.
- فرض العين: يقع الإثم على الفرد الذي ترك هذا الفرض، ولا يسقط عنه إلا بالتوبة والأداء. فإذا ترك شخصٌ ما أداء الصلاة وقع عليه الإثم.
المنافع والفوائد المتعلقة بكل منهما
لكل من فرض العين وفرض الكفاية منافع تعود على الفرد والمجتمع:
- فرض الكفاية: يتعلق بالمصالح العامة التي تعود بالنفع على المجتمع بأسره، سواء كانت هذه المصالح دينية أو دنيوية. فمراد الله -تعالى- هو أن يتم تحصِيلَهَا، وليس القصد أن يتكلف بها جميع الأفراد.
- فرض العين: المصلحة من أدائه مستمرة من خلال الاستمرار في فعله. المصلحةُ من فرض العين مستمرة من خلال الاستمرار بفعلها؛ مثل الصلاة، حيث إنّ المصلحة من فعلها هو الخضوع لله -تعالى-، وإظهار التذلُّل له، واجتناب المحرمات، أما المصلحة من فرض الكفاية فليست التكرار وإنما الفائدة التي تَعُم على الجميع حتى وإن لم يؤدّه الجميع.
هل يجب إكمال العمل بعد البدء فيه؟
يختلف الحكم في وجوب الإتمام بعد البدء في فرض العين وفرض الكفاية:
- فرض الكفاية: إذا بدأ شخص في أداء فرض الكفاية، فإنه يجوز له أن يتوقف عنه إذا علم أن غيره يقوم به.
-
فرض العين: إذا بدأ المسلم في أداء فرض العين، فإنه يجب عليه إتمامه، إلا إذا طرأ عليه عذر شرعي يمنعه من ذلك.
أما قطعه بغير عذر يؤثم عليه فاعله.
أيّهما أفضل؟
اختلف العلماء في تحديد أي الفرضين أفضل:
- جمهور العلماء: يرون أن فرض العين أفضل؛ لأنه يتعلق بحق الفرد نفسه، وهو أشق وأهم.
- بعض العلماء: يرون أن فرض الكفاية أفضل؛ لأن من يقوم به يسد مسد الأمة كلها، ويسقط التكليف عن الأمة بأسرها.
هل يُجبر الشخص على فعلهما؟
هناك اختلاف في الإجبار على أداء كل منهما:
- فروض العين: يُجبر الحاكم المسلم على أداءها إذا تركها المكلف.
- فروض الكفاية: لا يُجبر الشخص على القيام بها، ولكن يجب أن تكون موجودة في المجتمع لرفع الحرج عن الجميع.
نماذج لفرض العين
- الصلوات الخمس.
- أداء الزكاة.
- حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (في بعض الحالات). والأصلُ فيه أنّه كفائي، ولكنّه يُصبح فرض عين في بعض الحالات، وذلك على من يتم تعيينه من أجل هذا الأمر، أو إذا لم يستطع العامة من الناس التفريق بين المنكر والمعروف، أو إذا تمَّ الاحتجاج على المعروف أو التأييد للمنكر؛ فيصبح فرض عين على العالِم واجباً، بأنَّ يوضِّح لعامة الناس ويُبيِّن لهم الحقّ والباطل.
نماذج لفرض الكفاية
تنقسم إلى دينية ودنيوية:
- الدينية: صلاة الجنازة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة القضاء، وتعلُّم العلوم الدينية؛ كالفقه والحديث وغيرها من الأمور المتعلقة بالدين.
- الدنيوية: الحِرَف المهنية، والعلوم المختلفة كالطب والهندسة، والتجارة وأمور الدنيا المختلفة التي فيها مصالح العامَّة من الناس.
المراجع
- ابن عابدين (1992)،رد المحتار على الدر المختار(الطبعة 2)، بيروت:دار الفكر، صفحة 123، جزء 4. بتصرّف.
- عبد الله قادري الأهدل،كتاب السباق إلى العقول، صفحة 370. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (2006)،كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة 1)، مصر:دار الصفوة، صفحة 96-97، جزء 32. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، صفحة 496. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (2006)،كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة 1)، مصر:دار الصفوة، صفحة 154، جزء 32. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (2006)،كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة 1)، مصر:دار الصفوة، صفحة 97، جزء 32. بتصرّف.
- كوكب عبيد (1986)،كتاب فقه العبادات على المذهب المالكي(الطبعة 1)، دمشق-سوريا:مطبعة الإنشاء، صفحة 109. بتصرّف.
- كوكب عبيد (1986)،كتاب فقه العبادات على المذهب المالكي(الطبعة 1)، دمشق-سوريا:مطبعة الإنشاء، صفحة 269. بتصرّف.
- كوكب عبيد (1986)،كتاب فقه العبادات على المذهب المالكي(الطبعة 1)، دمشق-سوريا:مطبعة الإنشاء، صفحة 333. بتصرّف.
- سليمان الحقيل،الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء كتاب الله، صفحة 63-64. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (2006)،كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة 1)، مصر:دار الصفوة، صفحة 96، جزء 32. بتصرّف.