يعتبر الفقه وأصول الفقه من العلوم الشرعية الأساسية التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية. وعلى الرغم من الترابط الوثيق بينهما، إلا أنهما يختلفان في المفهوم والنطاق والأهمية. فهم هذه الفروق يساعد على فهم أعمق للشريعة الإسلامية وكيفية استنباط الأحكام الشرعية.
تباين المفاهيم بين الفقه وأصوله
الفقه: هو المعرفة بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية. يعتمد الفقهاء في استنباطهم للأحكام على المصادر الأربعة الرئيسية: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس. يركز الفقه على الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين في حياتهم اليومية.
أصول الفقه: هو العلم بالقواعد والأسس العامة التي يعتمد عليها الفقيه في استنباط الأحكام الشرعية. يهتم أصول الفقه بدراسة الأدلة الشرعية الإجمالية، وكيفية دلالتها على الأحكام، وشروط الاستدلال بها. فهو بمثابة المنهجية التي يسير عليها الفقيه في استنباط الأحكام.
بعبارة أخرى، الفقه هو استخلاص الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية، بينما أصول الفقه هو وضع القواعد التي تضبط عملية الاستنباط. الفقه يبحث في الحكم الشرعي ذاته (حلال، حرام، مكروه، مندوب، مباح)، بينما أصول الفقه يبحث في كيفية الوصول إلى هذا الحكم.
نطاق اهتمام كل من الفقه وأصوله
نطاق الفقه: يختص الفقه بدراسة أفعال المكلفين من حيث الأحكام الشرعية المتعلقة بها. يشمل ذلك العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والجنايات وغيرها. يمكن تقسيم نطاق الفقه إلى:
- فقه العبادات: يتناول أحكام الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والعمرة، وغيرها من العبادات.
- فقه المعاملات: يهتم بأحكام البيع، والإجارة، والرهن، والشركة، والوقف، وغيرها من المعاملات المالية والتجارية.
- فقه الأحوال الشخصية: يختص بأحكام الزواج، والطلاق، والنسب، والحضانة، والميراث، وغيرها من الأحكام المتعلقة بالأسرة.
- فقه الجنايات: يتناول أحكام القصاص، والدية، والحدود، والتعزيرات، وغيرها من العقوبات.
نطاق أصول الفقه: يركز أصول الفقه على دراسة الأدلة الإجمالية التي يستنبط منها الفقهاء الأحكام الشرعية. يشمل ذلك دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية من حيث دلالتهما على الأحكام، ودراسة الإجماع والقياس وشروطهما. كما يتناول أصول الفقه مباحث الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والاجتهاد والتقليد، والتعارض والترجيح بين الأدلة.
أهمية التفقه في الدين ونتائجه
إن التفقه في الدين من أعظم القربات وأجلّ الطاعات. وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ”.
فالتفقه في الدين يؤدي إلى صلاح العبد واستقامة سلوكه، وصحة عبادته. فالمتفقه في الدين يعبد الله على بصيرة ونور، ويمتثل أوامره ويجتنب نواهيه.
الفقه هو الذي يبين للمسلم كيف يؤدي فرائضه على الوجه الصحيح، وكيف يتعامل مع الآخرين بالعدل والإحسان، وكيف يتجنب المحرمات والمعاصي. فالفقه هو نور يضيء للمسلم طريقه في الحياة، ويساعده على تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.
قيمة علم أصول الفقه وأثره
يعتبر علم أصول الفقه من أشرف العلوم وأجلّها قدراً وأكثرها نفعاً. فهو العلم الذي يحتاجه المجتهد للتمكن من فهم الأدلة الشرعية فهماً صحيحاً، ومعرفة المراد من النصوص الشرعية، والتوصل للأحكام الشرعية من خلال الاستدلال والاستنباط.
من خلال علم أصول الفقه، يتبيّن للأمة وطلاب الفقه الطريق والمنهج الذي يسلكه المجتهد في استنباط الأحكام الشرعية، فتطمئن قلوبهم، وتزدادا ثقتهم. كما يرسم علم أصول الفقه للعلماء الطريق في كل عصر من العصور لمعرفة حكم الله في المسائل المستجدة والوقائع التي لم يرد دليل شرعي في حكمها.
علم أصول الفقه هو الوسيلة لحفظ الدين من التحريف والتبديل، وضمان استمرار الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.
المراجع
- ابن المبرد،غاية السول إلى علم الأصول
- محمد مصطفى الزحيلي،الوجيز في أصول الفقه الإسلامي
- عبد الكريم النملة،الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح
- مجموعة من المؤلفين،الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة
- محمد حسين الجيزاني،معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة