مقدمة
إن نعم الله تعالى على عباده لا تحصى ولا تعد، فهي تشمل النعم المادية، مثل كل ما خلقه الله للإنسان من خيرات، والنعم المعنوية، وعلى رأسها نعمة الدين الإسلامي، الذي أنزله الله تعالى ليسعد العباد في الدنيا والآخرة. هذه النعم تستوجب من العبد أن يثني على الله ويقدره على كل ما أنعم به عليه، وأن يحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً.
معنى الثناء
الثناء في اللغة
كلمة “ثناء” مشتقة من الجذر “حَمِدَ”، وهي عكس الذم. وكثرت مشتقات هذه الكلمة، خاصة فيما يتعلق بثناء العبد على الله عز وجل. من هذه المشتقات “التحميد”، وهي أبلغ من الثناء، وتعني حمد الله مراراً وتكراراً. ويقال “رجل حُمَدَة” أو “حمّاد” أو “محمد”، أي كثير الحمد لله. و”محمد” هو من كثرت خصاله الحميدة. و”أحمد” هو من صار أمره إلى الحمد، أو قام بفعل يستحق عليه الحمد.
يقال في المثل “والعود أحمد”، بمعنى أنه أكثر حمداً، لأن الإنسان غالباً لا يرجع إلى شيء إلا بعد أن يعرف خيره. فالبداية محمودة، والعود ألزم وأحق بالحمد. ويقال “فلان محمود” إذا حُمِد. و”الحمدلة” هي كناية عن قول “الحمد لله”، وهي تعني الثناء على الله بصفاته الذاتية الكاملة، الخالية من النقص، وبنعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى. و”الحميد” هو الله سبحانه وتعالى، وهو اسم من أسمائه الحسنى، بمعنى المحمود على كل حال.
الثناء في الاصطلاح
هو ثناء العبد بلسانه على الجميل الاختياري. فيقال “حمدت الرجل”، أي أثنيت عليه بفعل جميل قام به باختياره.
معنى التقدير
التقدير في اللغة
هو الاعتراف بالإحسان. يقال “شكرت الله” و”شكرت لله” و”شكرت نعمة الله”. فالشكر في اللغة هو ظهور أثر الغذاء في جسم الحيوان. ويقال “الشكور من الدواب” الذي يكفيه العلف القليل، أو الذي يسمن من العلف القليل. والشكر عكس الكفر، فهو الثناء على المحسن بما أعطاه من معروف. يقال “اشتكر الضرع” بمعنى امتلأ الضرع لبناً. والشكر الزيادة والنماء.
التقدير في الاصطلاح
هو ظهور أثر النعم الربانية على العبد في القلب إيماناً، وفي اللسان حمداً وثناءً، وفي الجوارح عبادةً وطاعةً. والشكر يكون على ثلاث منازل:
- شكر القلب، وهو الإيمان.
- شكر اللسان، ويكون بإظهار النعمة بالذكر لها والحديث عنها، والثناء على من أسداها، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11].
- شكر العمل، وهو إخضاع النفس بالطاعة. كما قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13].
وفي الحديث الشريف: (قام النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حتى تورَّمَتْ قدَماه، فقيل له: غفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذَنْبِك وما تأخَّر، قال: أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا).
التمييز بين الثناء والتقدير
اختلف العلماء في تحديد العلاقة بين الثناء والتقدير، فمنهم من رأى أنهما لفظان متباينان، ومنهم من قال بالترادف، ومنهم من رأى أن بينهما عموماً وخصوصاً. الراجح أن بينهما عموماً وخصوصاً، فالثناء أعم من التقدير.
فالثناء يطلق للثناء على المحمود بجميل ما فيه من صفات وأفعال ونعم، أما التقدير فهو ثناء العبد على المحمود بنعمه فقط. وعلى هذا القول فالثناء أعم من التقدير، فكل تقدير هو ثناء، وليس كل ثناء يعتبر تقديراً. ولذلك ورد ثناء الله على نفسه ولم يرد تقديره. وهو كما الحال في حالة التفرقة بين الثناء والمدح، فالمدح أعم من الثناء ذلك أن المدح يكون للعاقل ولغير العاقل، ولا يلزم في المدح كون الممدوح مختاراً.
الفرق الآخر بين الثناء والتقدير يكون من حيث العموم والخصوص، فالثناء يكون أعم فيما يقع عليه، فيقع على الصفات اللازمة والصفات المتعدية، فيقال “حمد فلان فلاناً لفروسيته وشجاعته ولكرمه”. فالثناء وصف المحمود بصفات الكمال اللازمة والمتعدية مع المحبة وتعظيم المحمود في القلب. ولا يخفى أن مدار الأعمال صلاحاً أو فساداً ينبني على القلب. قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
قال -عليه الصلاة والسلام-:(إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحَرامَ بيِّنٌ وبينَهمَا مشْتَبَهَاتٌ لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من الناسِ؛ فمنْ اتَّقَى الشبهَاتِ استَبرَأَ لدينِهِ وعِرضِهِ، ومن وقعَ في الشبهَاتِ وقعَ في الحرامِ، كالراعِي يرعَى حولَ الحِمَى يوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فيهِ، ألا وإنَّ لكلِ ملِكٍ حِمً، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ محَارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ، فسدَ الجسدُ كُلُّهُ، ألا وهِيَ القَلبُ).
قال ابن تيمية -رحمه الله-: “الثناء يكون بالقلب واللسان، وأما التقدير فهو أخص من حيث الوقوع، فالتقدير لا يكون إلا مع الصفات المتعدية. يقال: شكر فلاناً لكرمه، ولا يقال: شكره لفروسيته وشجاعته، فالشكر يكون جزاءً على نعمة انتفع بها، بينما يأتي الحمد جزاءً كالشكر، ويأتي ابتداءً.”
الثناء ثناء العبد على الممدوح بصفاته من أن يسبق إحسان الممدوح، وأما الشكر فهو ثناء على المشكور بما قدم وأجزل من الإحسان، وعلى هذا القول قال علماء الإسلام: الثناء أعم من الشكر. وهناك قول أن الثناء والتقدير متقاربان، والثناء أعم لأن العبد حمد الممدوح على صفاته الذاتية وعلى كثرة عطائه، ولا تشكره بالتالي على صفاته.
أهمية الثناء
وردت أحاديث كثيرة في فضل الثناء عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، منها:
روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(كلمتانِ خفيفتانِ على اللسانِ، ثقيلتانِ في الميزانِ، حبيبتانِ إلى الرحمنِ: سبحانَ اللهِ وبحمدِه، سبحانَ اللهِ العظيمِ).
عن أبي مالك الأشعري قَالَ:(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الطَّهورُ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ (أو تملأُ) ما بين السماواتِ والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضياءٌ، والقرآنُ حُجَّةٌ لكَ أو عليكَ، كل الناسِ يغدُو فبايِعٌ نفسَه فمُعْتِقُها أو مُوبِقُها).
قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-:(إنَّ اللهَ اصطفى مِنَ الكلامِ أربعًا: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، فمَن قال سبحانَ اللهِ كُتِبَ له عشرون حسنةً وحُطَّتْ عنه عشرون سيِّئةً، ومَن قال اللهُ أكبَرُ فمِثْلُ ذلك، ومَن قال لا إلهَ إلَّا اللهُ فمِثْلُ ذلك، ومَن قال الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ مِن قِبَلِ نفسِه كُتِبَتْ له ثلاثون حسنةً وحُطَّتْ عنه ثلاثون سيِّئةً، وفي روايةٍ: مَن قال سبحانَ اللهِ كُتِبَ له عشرون حسنةً وحُطَّتْ عنه عشرون سيِّئةً مِن غيرِ شكٍّ. وفي روايةٍ: فمَن قال سبحانَ اللهِ كُتِبَتْ له عشرون حسنةً وحُطَّتْ عنه عشرون سيِّئةً، ومَن قال الحمدُ للهِ فمِثْلُ ذلك، ومَن قال لا إلهَ إلَّا اللهُ فمِثْلُ ذلك، ومَن قال اللهُ أكبَرُ مِن قِبَلِ نفسِه كُتِبَ له ثلاثون حسنةً وحُطَّتْ عنه ثلاثون سيِّئةً).
أهمية التقدير
ثبت فضل الشكر في الشريعة من أوجهٍ كثيرةٍ، منها:
- إنَّ الله سبحانه وتعالى أثنى في كتابه العزيز على أهل الشكر، ووصف أفضل خلقه بذلك، فقال عن نوح عليه السلام: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3].
- إنَّ الله عز وجل جعل الهدف من الشكر تفضله بالنعم، قال سبحانه وتعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78].
- إنَّ الله وعد الشاكرين من عباده بأحسن الجزاء، فقال: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 145].
- إنَّ الله سبحانه وتعالى قد سمّى نفسه شاكراً شكوراً، وذلك بأن يقبل العمل القليل من العبد ويثني على فاعله، قال سبحانه وتعالى: (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 158].