مقدمة
إن الله تعالى يحيط مخلوقاته برحمته وعنايته الشاملة، فلا يتركها هملاً، بل يسخر لها كل ما تحتاج إليه من أجل البقاء والعيش الكريم. ومن هذا المنطلق، جعل الأم ركيزة أساسية في بناء الأسرة، ومصدر الدعم والعون لأفرادها، وهي القائمة على شؤونهم وتلبية احتياجاتهم المختلفة، والحامية لهم من التشتت والضياع، مما يجعلها من أعظم النعم التي أنعم بها الله علينا. إن دورها لا يقتصر على الإنجاب فحسب، بل يتعداه إلى التربية والتوجيه والرعاية المستمرة.
الأم ودورها المحوري في الأسرة
تنشأ العلاقة الأسرية عندما يرتبط الرجل بالمرأة برباط الزواج المقدس، وينجبان الأطفال، فتتحول المرأة إلى أم، ويصبح الرجل أباً. تكرس الأم حياتها من أجل أبنائها، فهي التي حملتهم في أحشائها لمدة تسعة أشهر، وهي مصدر العطاء الذي لا ينضب، وهي التي تحب بلا شروط أو قيود أو خوف أو تردد. إنها الصديقة الوفية، والأنيسة المؤنسة، والمعلمة الملهمة، والمربية الفاضلة، والقدوة الحسنة. هي الحضن الدافئ الذي نلجأ إليه حين تقسو علينا الحياة، وهي الأمل الذي يضيء لنا دروبنا حين يخيّم اليأس، والدافع الذي يلون حياتنا ويعطيها معنى جميلاً. إنها المضحية التي ترضى بالقليل لكي يحصل أبناؤها على الكثير، وهي الخبيرة الاجتماعية التي تستمع إلى همومنا وشكوانا بصدر رحب دون تذمر، بل تظل حائرة وقلقة على أبنائها، وتتمنى لو أنها تستطيع أن تفعل أي شيء لإزالة مشاكلهم، ومساعدتهم على تخطي صعوبات الحياة. ولا شك أن دور الأم بالغ الأهمية، فهي عندما تُخرج جيلاً من الأبناء، يجب أن تكون واعية ومدركة لمسؤولياتها، وتقوم بتربيتهم على أكمل وجه، فالتربية من أكثر الأدوار حساسية على الإطلاق، إذ أنها تحدد مستقبل الفرد والمجتمع.
مكانة الأم في الشريعة الإسلامية
لقد أولى الإسلام للأم مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة، فقد رُوِيََ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الحديث الشريف: “أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك
“، في إشارةٍ إلى عظم مكانتها وقوة تأثيرها ووجوب برها وطاعتها. كما قيل أيضاً أن رضا الله من رضا الوالدين، وهذا يدل على أهمية إرضاء الأم والأب معاً. وقد كرم الإسلام المرأة وأعطاها الحقوق وضمن احترامها وحفظ ماء وجهها، فهي الأم والأخت والابنة والزوجة، وما يترتب على كل هذه الأدوار التي تلعبها في الحياة من أهميةٍ بالغة. إن الإسلام يشدد على ضرورة الإحسان إلى الأم وبرها في جميع الأوقات والأحوال.
فضائل الأمومة وخصائصها
تتميز الأم عن غيرها من الناس بصفات فريدة ومميزة، فالآخرون قد يقدمون لك العون والمساعدة وهم ينتظرون مقابلاً أو نتيجة، بينما الأم تعطي بلا حدود وبوفرة لأبنائها دون انتظار أي عائد أو شكر أو تقدير. وإذا فكر الإنسان يوماً أن يرد ولو جزءاً بسيطاً مما فعلته أمه من أجله، فإنه لن يستطيع، فسهرها ليالٍ طوال، وتحملها لكافة أعباء حياة أبنائها مجتمعين، وقلقها عليهم وخوفها واهتمامها ورعايتها يجعل من الصعب بل من المستحيل أن يُعاد ولو جزءٌ يسيرٌ من فضلها العظيم. ويقال إن الجنة تحت أقدام الأمهات، أي أن رضاها مفتاح دخول الجنة. وبالرغم من وجود الأب في العلاقة الزوجية والعائلية، إلا أن الأم تتحمل معظم الأعباء، وفي أحيانٍ كثيرةٍ يقتصر دوره على الإنفاق وتولي المسؤوليات والأعمال خارج المنزل، بينما تضطلع الأم بدور التربية والرعاية الأساسي.