تأملات في العشق

تأملات في العشق. ليلة حادة انتهت بصلح. إحساس مبهم. سأبتعد. أعشقك. العشق له مكانة عظيمة في عالمنا رغم ما فقده من معانٍ واستبداله بالزيف والمصالح.

ماهية العشق

للعشق أهمية بالغة في حياتنا المعاصرة، على الرغم من تضاؤل بعض معانيه الأصلية وحلول النفاق والمصالح الشخصية والأكاذيب محلها. ومع ذلك، لا نزال نشهد العديد من قصص العشق التي تبدأ بجدية وتتكلل بالزواج. هذه المشاعر الإنسانية الراقية تستحق التأمل والتقدير.

ليلة حادة انتهت بصلح

بدأ ذقنها بالارتعاش، فعرفت أن الدموع قادمة لا محالة. ورغم تأثير بكائها في قلبي، لم أتوقف عن توبيخها، متجاهلاً ضعفي أمام قوة دموعها. لم أستطع أن أظهر لها مدى تأثري بسحر عينيها الدامعتين، حتى لا تعرف أنها أسهل طريقة لإسكاتي. أكملت بنبرة قاسية ملقياً اللوم عليها دون النظر إليها مباشرة.

آه، لو كانت تعلم كم هي ثمينة دموعها! لكنني لم أستطع التراجع. أردت أن تعرف أنها أخطأت، أنها ارتكبت ذنباً في حقي. كان عليّ أن أظهر بعض القسوة، أو بالأحرى أن أتظاهر بالقسوة. فمن يرى عينيها وهما تذرفان الدموع يتمنى أن تكون هذه الدموع عليه، لا أن تكون دموع استعطاف منه.

إنها تتقن لغة الصمت ببراعة. كانت تحدثني بعينيها، تشكو قسوتي لأول مرة. وكأنها تقول لي: “لست أنت… لست أنت من يقسو..!!” لا نتكلم، ولكن عيوننا تصرخ. بدأت ترتجف، فعرفت أنها في قمة ضعفها. يا إلهي، لماذا؟ أسرعت لتدفن رأسها في صدري. لم أشعر بنفسي وأنا أخبئ ما تبقى من جسدها النحيل بين ذراعي. تغلغلت أصابعي في شعرها، وما زال رأسها مدفوناً في صدري. ضممتها بقوة لأشعرها بالقوة، وكأنني أريد منها أن تمتص آخر شحنات الغضب.

لم أكن أرغب في انتهاء تلك اللحظة، ولكنني أردت رؤية وجهها، لأرى ملاكي البريء، لأرى بريق النجوم في عينيها. فحبيبتي تجمع المتناقضات دائماً، فهي شمسي وقمري مع كامل نجومي، وهي ليلي ونهاري، سيدتي وطفلتي. لقد اعتدت أن أرى فيها المتناقضات.

آه، أتعلمون أنني لم أكن مذنباً، لكنني اعتذرت. لكنها أسرت كلماتي بوضع يدها على فمي، مانعةً إياي من إتمام الاعتذار. أتعلمين أنني لن أقول شيئاً، فقد تعلمت منك الليلة لغة العيون التي لا تكذب ولا تخون. حبيبتي، لا تنهي العناق، واتركينا أيتها الأضواء مع الأشواق.

إحساس مبهم

أشعر بشعور غريب تجاهك، إحساس بالضعف والعجز أمامك. أبتعد عنك لعلي أنساك، فلا أجد لحزني نهاية ولا لضعفي قوة. يقتلني شعوري بالضياع، لأنني لا أعرف ما هي نهايتي معك. لا أعرف إن كنت أعشقك، لكني أعرف جيداً أنني لا أستطيع العيش بدونك. لا أعرف إن كنت أريد أن أكون حرة طليقة خارج أسرك، لا أعرف إن كنت أريد أن أبقى أسيرتك. لا أعرف ما هي حقيقة ذلك الشعور الغريب، لكني أخشى أن أعرف حقيقة شعورك تجاهي، إن كان غير ما أريد.

لا أريد أن أفقد الأمل في الغد، فأبقى وحدي أسيرة الماضي، أسيرة أحلامي وأحزاني. أخشى من كل شيء يشوش صورتك في عقلي، أخشى أن يكرهك عقلي ويذكرك قلبي وتعشقك روحي، فأتوه في حيرتها وأبقى سجينة العشق والمنطق. أخشى أن أكرهك فأكره كل ما حولي بسبب كرهي لك، أخشى من فكرة نسيانك لي، أخشى أن أفقدك فجأة، فأتوه بعدك وتتوه أفكاري معي. أخشى من غدر الزمن بنا وقسوة الأيام علينا.

لا أعرف… وأخاف… شعوران يلازمانني في كل ظروف حياتي. لا أعرف إلا أنني لا أعرف، وأخاف من كل ما لا يخيف. هكذا هي حياتي، في بعدك أخاف، ومعك لا أعرف.

سأبتعد

ستكون هذه الكلمات آخر ما أكتب باسمك، ستكون خاتمة لما بيني وبينك، ستكون مكملة لحكايتنا الوليدة التي صعب على البشر جعلها رشيدة، لأنني سأبتعد. سأبتعد تاركةً ورائي كل الذكريات، تاركةً كل الأحلام والآمال والأمنيات. سأبتعد مغلقةً الباب ورائي، حاملةً الذكرى دائي ودوائي.

أعرف أنه ليس من حقي أن أنهي الحكاية، ولكنه من حقي أن أتظاهر بأن هذه النهاية هي من اختياري، لأنني علمت أن قدري قد غير لي مساري. عليّ أن أحتفظ بلهفتي وناري، عليّ أن أكتم الألم في قلبي، أن أحبس الدمع في جفني، أن أجعل الصمت من طبعي، أن أجعل للمشاعر قيداً لا يكسر، أن أجعل للحلم طيفاً لا يرحل. فالعشق في قلبي جنين لا يولد، والحنين والمشاعر والأشواق كالثلج المجمد. عليّ أن أكون كالصخرة في قوتي وصلابتي، كالوردة في جمال مظهري، كالطفل في براءتي، والكهل في خبرتي.

أعرف أنك ستلومني على ما أقول، أعرف أنك ستبدأ بالشك والظنون، فلم أعد من تعرف ولم أعد من أكون. ولكن عليك أن تعلم أن ما في قلبي من ألم وحزن وهموم هو نتاج دمار سببه هذا الزمن المجنون. عليك أن تعلم أننا نعيش في زمن سادت فيه المصالح، في زمن دون ملامح. المال فيه سيد كل عبد، وأبر عبد من كان بالظلم أشد، الظالم فيه هو الحاكم والجلاد، هو من ساد وبالظلم جاد. في زمن يخلو من الأمان، الصدق فيه صار كان، وكتاب عشق عنوانه الخيانة، الوعد والوفاء فيه أمانة، الطيب فيه ذل ومهانة. في زمن بدلت فيه القيم، المال والمنصب في الأهم، لمثلنا لا مكان بين تلك الأمم، فإما الرحيل أو التخلق بتلك الشيم. علينا أن نطيع القدر وننهي حكايتنا بحكم البشر.

عليّ الرحيل ويبقى الثمن بقائي وحيدة بغربة زمن.

أعشقك

كم أتمنى أن أقولها لك، لكن خوفي يمنعني من نطقها، لأنها الكلمة التي أعيش من أجلها. أعيش كل يوم لأجمع المبعثر في داخلي ما أجزائها. في كل ليلة أسمع بها صوتك، يتردد صداه في داخلي مردداً أحد حروفها. لكنك لا تستطيع أن تسمع صدى صوتي وأنا أقولها، لأنني بصوت الصمت أنطقها.

أحس أنك تضع يدك على كل جزء منها، لكنك لا تستطيع أن تراها أو أن تشعر بملمسها، لأن حروفها بلون الماء كتبت. لا تستطيع أن تلمس حرارة أنفاسي وحروفها تختنق بداخلي. كم أتمنى أن تسمعني، أن تفهمني، أن تحس بي.

في كل ليلة أموت ألف مرة وأنا أصرخ: أحبك، لكنك لا تسمعها. صوتي يخونني عندما أريد قولها. لا أستطيع أن أشعرك بها دون أن أشعر بأمان كامل معك. أريد أن أكون ملكك وتكون ملكي، دون أن أشعرك بالضيق، دون أن أشعرك بأن المكان من حولك يضيق. أريد أن تدخل سجني بإرادتك، وأن تغلق أبوابه بيديك، لتجعل من ظلمته ربيعاً دائماً بعشقك، فلا تعاود التفكير بالخروج منه.

أريدك أن تقسم لي أننا لن نفترق، أن أحزان الحياة على يديك ستحترق. أريدك أن تعدني بالوفاء، لأنظر في عيون غيرك فأجدها كالصحراء، تختفي فيها مظاهر الحياة لأنها جرداء، لأعود إليك وأجد في ابتسامتك حياتي وفي رضاك سعادتي وفي غضبك مماتي. أريدك أن تجعلني الأميرة في قصرك، أريد أن أكون فتاة أحلامك، أريد أن أشعر أنني فراشتك. أستيقظ كل صباح لآخذ الرحيق من بساتينك، لأقول لك صباح الخير على طريقتك. لا أريد أن تفارق الابتسامة وجهك، أريد أن أجعل السعادة عنوان حكايتك. أريد أن أتصفح كتاب حياتك لأغير كل سطر كان السبب في ألمك. أريد أن أعوض عن كل ما فاتني من حنانك. أريد أن أضع رأسي على صدرك ويداك تغمرني بعشقك. أريد أن أنظر إلى عينيك فأجد فيك كل ما فقدت من قبلك. أريد أن أشعر بحنانك وأمانك وصدقك. أريد أن تشعرني بأنني أعيش من أجلك. أريد أن تراني فترى فيّ كل النساء، أريد أن تراني الطفلة البريئة والصبيّة الحسناء. أريد أن تراني فترى فيّ كل الفصول: الصيف والخريف والربيع والشتاء، فأنا بحرارتي ودفئي كالشمس في السماء، وبطاعتي وليني كورقة خريف تطير في الهواء، وبتنوعي وتجددي كالربيع بأرضك الخضراء، وبطيبتي وحبي كالغيمة البيضاء في الشتاء. أريد أن أحبك وتحبني.

كثيرة هي الأشياء التي أريد، لكنني لا أستطيع التنازل عن أي منها. هل عرفت الآن لماذا لا أستطيع أن أقولها، مع أنني أرددها كل يوم آلاف المرات في داخلي؟ لكن حاجز الخوف يحبسها في قلبي، يمنع وصولها إليك، إلا إن كنت ستحقق لي أحلامي. لكنني لا أثق بقدرتك على ذلك. لا أعرف إن كنت تستطيع أن تقولها وتصنع ما فيها من معجزات، فهي ليست مجرد كلمة تقولها وتسكت أمامي، لأنني أحتاج إلى تحقيقها على أرض واقعي. أحتاج إلى من سيكون إلى جانبي، يقاسمني كل شيء، حتى عمري. حينها سأعرف أنك تعشقني، حينها فقط أعشقك. حينها سأصرخ وأواجه العالم بعشقي، سأقف أمامك وبين يديك وأقولها بأعلى صوتي: أحبك، حتى لو كانت آخر كلماتي.

قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

درر الشعراوي: مختارات من روائع أقوال الشيخ محمد متولي الشعراوي

المقال التالي

تأملات في العشق الذي لا يكتمل

مقالات مشابهة