مقدمة
تعتبر مناسك الحج من أهم العبادات في الإسلام، وتتضمن العديد من الأركان والواجبات التي يجب على الحاج الالتزام بها. من بين هذه المناسك، يبرز طواف الإفاضة وطواف الوداع كأحد أهم الطوافات التي يؤديها الحاج. وفي هذا المقال، سنتناول بالتفصيل مدى إمكانية تأخير طواف الإفاضة وجمعه مع طواف الوداع، وكيفية القيام بذلك، مع بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بهذين الطوافين.
مدى جواز الجمع بين طوافي الإفاضة والوداع
يجوز للحاج، حسب الشريعة الإسلامية، أن يؤخر طواف الإفاضة ليؤديه في آخر فترة إقامته في مكة المكرمة، مع النية بجمعه مع طواف الوداع. والسبب في ذلك هو أن الغاية من طواف الوداع تتحقق بأداء طواف الإفاضة، وهي أن يكون آخر عهد الحاج بالبيت الحرام هو الطواف. وينبغي التنبيه إلى بعض النقاط الهامة:
- إذا قام الحاج بالسعي بعد طواف الإفاضة، فإن ذلك لا يؤثر على صحة الطواف، لأن السعي لا يعتبر قاطعًا لفعل التوديع.
- الأفضل أن يتم أداء طواف الإفاضة المؤخر للجمع مع طواف الوداع في يوم العيد أو خلال أيام التشريق.
كيفية الجمع بين طوافي الإفاضة والوداع
كما ذكرنا سابقًا، يجوز الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع، ولكن يجب على الحاج أن يجمع النية عند أداء الطواف، بأن ينوي طواف الإفاضة مع طواف الوداع، أو أن يكتفي بنية طواف الإفاضة فقط، لأن الركن يغني عن الواجب. أما إذا نوى الحاج طواف الوداع فقط، فإن ذلك لا يكفي ولا يجزئه عن طواف الإفاضة.
فإذا اقتصر الحاج على نية طواف الوداع، ولم ينوِ الإفاضة معه، فإنه يبقى عليه طواف الإفاضة، ولا يسقط عنه حتى يعود إلى مكة ويؤديه. وإذا كان قد جامع زوجته قبل أداء طواف الإفاضة، فعليه أن يذبح شاة في مكة.
الرأي الشرعي في طواف الإفاضة
اتفق جمهور العلماء على أن طواف الإفاضة هو أحد أركان الحج الأربعة التي لا يمكن الاستغناء عنها بأي شكل من الأشكال. فإذا لم يؤد الحاج طواف الإفاضة، فإن حجه يعتبر باطلاً. ويتكون طواف الإفاضة من سبعة أشواط، ولكن الحنفية يرون أن الركن يتحقق بأربعة أشواط فقط، لأن الأكثر يأخذ حكم الكل، أما الأشواط الثلاثة المتبقية فهي واجبة.
تحديد وقت طواف الإفاضة
يبدأ وقت طواف الإفاضة بعد أن يفيض الحاج من عرفة ويبيت في مزدلفة، ثم يفيض منها إلى منى قبل طلوع الشمس. وقد ورد في ذلك ما رواه عمرو بن ميمون -رضي الله عنه- قال:
“(إنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لا يُفِيضُونَ مِن جَمْعٍ، حتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ علَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأفَاضَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.)”
بعد ذلك، يقوم الحاج برمي الجمرات والنحر والحلق في منى، ثم يفيض منها إلى مكة ليطوف بالبيت طواف الإفاضة. ويُعرف طواف الإفاضة بأسماء أخرى، مثل طواف الزيارة، لأن الحاج يأتي إلى مكة لزيارة البيت والطواف به ثم يعود إلى منى، وطواف الركن والفرض باعتبار حكمه، وطواف الصدر.
الرأي الشرعي في طواف الوداع
يرى جمهور العلماء أن طواف الوداع من واجبات الحج، وقد استدلوا على ذلك بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“(لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتَّى يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبَيْتِ)”
بينما يرى المالكية أن طواف الوداع مندوب. ويتكون طواف الوداع من سبعة أشواط دون سعي. وإذا ترك الحاج طواف الوداع، فإنه يجب عليه أن يدفع الدم (الفدية).
المراجع
- عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود، صفحة 39.
- “الجمع بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد”، دار الإفتاء المصرية، 22-8-2016.
- ابن باز (1423)، تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام (الطبعة 2)، السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، صفحة 211.
- عبد العزيز الراجحي، فتاوى منوعة، صفحة 3.
- عبد الرحمن الجزيري (1424)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة 2)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 589، جزء 1.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:3838 ، صحيح.
- محمد التويجري (1430)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة 1)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 341، جزء 3.
- مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 293.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1327 ، صحيح.
- مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 1)، مصر: دار الصفوة، صفحة 122، جزء 29.
- مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، السعودية: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 293، جزء 50.