جدول المحتويات
لمحة عن بني إسرائيل
كان بنو إسرائيل في بدايتهم من أفضل الأمم، حيث اختصهم الله بخصائص لم تكن لغيرهم. ومع ذلك، انحرفوا عن طريق الحق وعصوا أوامر الله. ارتكبوا جرائم شنيعة مثل قتل الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم، وأشركوا به في العبادة، وتجاوزوا الحدود في المعاصي. فما هي الأسباب التي جعلت الله يفضلهم في الأصل؟ وهل استمر هذا التفضيل؟ وإن كان قد زال، فما هي أسباب زواله؟
توضيح معنى الاصطفاء لبني إسرائيل
ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 47].
قد يُفهم من ظاهر الآية أن بني إسرائيل أفضل من أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل وأفضل من جميع الأمم. ولكن، المقصود بالتفضيل في هذه الآية له ثلاثة أوجه:
كلمة “العالمين” في الآية تعني جماعة معينة من الناس، وليس كل البشر. والدليل على ذلك قول الله تعالى في سورة الأنبياء: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71]. فكلمة “العالمين” هنا لا تشمل جميع الناس، بل فئة محددة. وكذلك، كلمة “الأرض” لا تعني كل بقاع الأرض، بل منطقة معينة.
المقصود بالتفضيل هو النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل دون غيرهم، مثل جعل النبوة والملك في أسلافهم. والدليل على ذلك قول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) [المائدة: 20].
التفضيل الوارد في الآية خاص بزمانهم. والدليل على ذلك قول الله تعالى: (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [الدخان: 32].
أوجه تفضيل الله لبني إسرائيل
إن الله عز وجل قد ميز بني إسرائيل على غيرهم من الأمم في زمانهم بنعم عظيمة، كما جاء في تفسير العلماء لقوله تعالى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 47]. هذه النعم كانت دنيوية ودينية. فمن الناحية الدينية، جعل الله فيهم الأنبياء والمرسلين. ومن الناحية الدنيوية، جعلهم ملوكًا وأنعم عليهم بنعم لم ينعم بها على أحد من العالمين في ذلك الوقت.
الحِكم من ذكر تفضيل بني إسرائيل في القرآن الكريم
هناك العديد من الحِكم التي تتجلى من خلال ذكر تفضيل الله لبني إسرائيل في القرآن الكريم، ومنها:
التفضيل كان قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكنهم لم يلتزموا بأوامر الله.
الله وحده هو الذي يفضل من يشاء من عباده، ولا يحق لأحد أن يعترض على ذلك.
تفضيل بني إسرائيل تجلى في جعل الأنبياء والملوك منهم، وإعطائهم ما لم يعط أحدًا من العالمين.
تفضيل الله لهم كان نعمة تستوجب الشكر والطاعة.
التفضيل لا يمنع العقاب إذا ارتكب المفضل جريمة، بل يستوجب العقاب على الفعل.
يستلزم التفضيل إقامة حكم الله في كتبه وأوامره.
مع ذلك ظهر منهم المعتدلون، وظهر الكثير ممن ساءت أفعالهم. إن الله عز وجل ينتظر من عباده المؤمنين فعل الخيرات لإعمار الأرض، وهذا يتطلب صبرًا وجهدًا.
نِعم الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل
ذكر القرآن الكريم عددًا من النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، منها:
نجاتهم من فرعون الذي كان يعذبهم ويذبح ذكورهم ويستحيي إناثهم.
عبورهم البحر الأحمر سالمين بعد أن هيأ الله لهم طريقًا يابسًا، وغرق فرعون وجنوده.
قبول توبتهم والعفو عنهم.
إنزال التوراة على النبي موسى عليه السلام ليهتدوا بها ويسيروا على شرعها.
التخلص الجماعي من المجرمين بعد أن عبدوا العجل من دون الله.
وقايتهم من حر الشمس في وادي التيه لمدة أربعين سنة بتظليلهم بالسحاب الأبيض الرقيق.
إنعام الله عليهم بأنواع كثيرة من الطعام والشراب كالمنّ والسلوى.
الإنعام عليهم بعد الخروج من التّيه بدخول القرية، التي قيل بأنها بيت المقدس أو أريحا.
الإنعام عليهم بالسقيا، حيث طلبوا من النبي موسى عليه السلام أن يسقيهم، فأمره الله أن يضرب بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، لكل جماعة عين يشربون منها.