مقدمة حول المنهج المقارن
يعتبر المنهج المقارن أسلوبًا بارزًا في مناهج البحث العلمي، ويجمع في جوهره بين جوانب متعددة من المناهج الأخرى، مستفيدًا من مزايا كل من العلوم التجريبية والبحث الوصفي. على غرار التجربة العلمية، يسعى هذا المنهج إلى فهم العلاقة بين متغيرين أو أكثر من خلال دراسة الفروقات والتشابهات الظاهرة بين كائنين أو مجموعتين أو أكثر. هذا المنهج يعتمد على الرصد الدقيق والتحليل العميق للبيانات المتاحة.
بخلاف التجربة، لا يقوم المنهج المقارن بتطبيق أي معالجة على إحدى مجموعات البحث، بل يراقب مجموعة خضعت بالفعل لتأثير ما، سواء كان ذلك نتيجة اختيار طبيعي أو ظروف معينة. بالتالي، يركز هذا المنهج على الملاحظة في بيئة طبيعية أكثر، مما يقلل من القيود التجريبية، وهذا ما يجعله مشابهًا للبحث الوصفي. إنه يعتمد على تحليل دقيق ومنظم للبيانات الموجودة.
إن مجرد إجراء مقارنة بسيطة بين متغيرين أو كائنين لا يعتبر بحثًا مقارنًا بالمعنى العلمي الدقيق. البحث المقارن يتطلب فهرسة منهجية لخصائص أو سلوك متغيرين أو أكثر، وتقدير كمي للعلاقة القائمة بينهما. هذا يتضمن تحليلًا إحصائيًا وتقييمًا دقيقًا للبيانات المتاحة.
نظرة تاريخية على المنهج المقارن في البحث
عند الخوض في تفاصيل المنهج المقارن في الدراسات العلمية، لا بد من الإشارة إلى تجربة تايسون التشريحية على الشمبانزي. بدأ تايسون بتشريح الشمبانزي الذي حصل عليه، ثم نشر النتائج التي توصل إليها في عمل عام 1699. وقد قارن بين القرد والإنسان، وقام بقياس ومقارنة عدد من المتغيرات التشريحية بدقة، مثل حجم الدماغ لدى كل منهما. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الشمبانزي على أنه “رجل الغاب”.
أثبتت دراسات تايسون التي اعتمدت على المنهج المقارن دقتها العالية، واستخدم باحثون آخرون أبحاثه في القرن التاسع عشر. ساهم نهج تايسون العلمي في تطوير النظرية التطورية وساعد في تأسيس علم التشريح المقارن. بالإضافة إلى ذلك، ساهم عمل تايسون في إبراز أهمية المقارنة كمنهج بحث علمي قيم. لقد أسس تايسون قاعدة بيانات علمية قيمة.
مجالات استخدام المنهج المقارن في الدراسات
إن اختيار منهجية البحث المناسبة هو قرار يعتمد على الباحثين القائمين بالدراسة، ولكن هناك عدة حالات يكون فيها البحث المقارن هو الخيار الأمثل. يمكن توضيح بعض هذه الحالات فيما يلي:
تبيين أوجه التشابه والاختلاف
في هذا السيناريو، لا يسعى الباحث إلى قياس الاستجابة لتغيير ما، بل يهدف إلى فهم أوجه التشابه والاختلاف بين موضوعين. على سبيل المثال، لم يلاحظ تايسون الاختلافات في القرود بناءً على الاستجابة لمعاملة تجريبية، بل كان بحثه عبارة عن مقارنة بين القرود والبشر بهدف تحديد العلاقة بينهما. هذا يتضمن تحليلًا دقيقًا للخصائص المختلفة بين الموضوعين.
الدراسات الاسترجاعية
يشير مصطلح “البحث بأثر رجعي” إلى الدراسات التي تهدف إلى فحص الأحداث الماضية، مثل عينات الرواسب التي ترسبت منذ ملايين السنين. هذا السيناريو يكون ضروريًا في الأبحاث العلمية التي يكون فيها القياس المادي أو الجدول الزمني للسؤال يمنع إجراء التجارب، مثل دراسة التاريخ، والأحفوريات، والمناخ القديم. هذا يعتمد على تحليل البيانات التاريخية المتاحة.
على سبيل المثال، قام الباحثون في علم المناخ القديم بمقارنة عينات مأخوذة من الرواسب التي ترسبت منذ ملايين السنين في محيطات العالم، وذلك لمعرفة ما إذا كانت التركيبة الرسوبية متشابهة في جميع المحيطات أم أنها تختلف حسب الموقع الجغرافي. نظرًا لأن هذه الرواسب ترسبت منذ ملايين السنين، فإنه من المستحيل الحصول على نتائج بحثية منطقية من خلال الطريقة التجريبية. هذا النوع من الدراسات يعتمد على تحليل البيانات التاريخية.
الاستخدامات المستقبلية والجوانب الأخلاقية للأبحاث
يتم اللجوء إلى المنهج المقارن عندما تحول الاعتبارات الأخلاقية دون إجراء البحوث القائمة على التجارب. على سبيل المثال، يُمنع الباحثون الذين يدرسون سمية الملوثات البيئية أو انتشار الأمراض بين البشر من تعريض مجموعة من الأفراد للمواد السامة أو الأمراض لأسباب أخلاقية. هذا يتطلب حماية المشاركين في البحث.
في هذه الحالات، يجري الباحثون دراسات مقارنة عن طريق تحديد الأفراد الذين تعرضوا عن طريق الخطأ للملوث أو المرض، ومقارنة أعراضهم بأعراض مجموعة من الأشخاص الذين لم يتعرضوا. والجدير بالذكر أنه يُشار إلى البحث المصمم للنظر في الأحداث من الحاضر إلى المستقبل، مثل دراسة تبحث في تطور الأعراض لدى الأفراد المعرضين للملوثات، على أنها بحث مستقبلي. هذا النوع من الدراسات يعتمد على تحليل البيانات المتاحة ومراعاة الجوانب الأخلاقية.
المراجع
- “A Short Introduction to Comparative Research”,researchgate. Edited.
- “Comparison in Scientific Research”,visionlearning. Edited.
- “Natural selection”,britannica. Edited.