السمات البارزة للفقه الإسلامي
يتميز الفقه الإسلامي بخصائص جوهرية تميزه عن النظم القانونية الأخرى. هذه الخصائص تعكس طبيعته الإلهية وتهدف إلى تحقيق مصالح الناس في الدنيا والآخرة. من أبرز هذه السمات:
منشأ الفقه من الوحي
يستمد الفقه الإسلامي أصوله من مصدرين أساسيين هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. يعتبر الوحي الإلهي المصدر الرئيسي للأحكام الشرعية، حيث يعتمد الفقهاء والمجتهدون على الأدلة الشرعية المستنبطة من القرآن والسنة في استنباط الأحكام.
لا يجوز لأي مجتهد أن يخالف أو يتجاوز ما جاء في القرآن والسنة، بل يجب أن يكون اجتهاده متوافقًا معهما. قال تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ). [النساء: 83]
التوازن بين الاستقرار والتطور
يجمع الفقه الإسلامي بين الثبات والمرونة، فالأحكام التي وردت في القرآن والسنة بشكل قطعي لا تقبل التغيير أو التبديل، وتظل ثابتة إلى يوم القيامة، بغض النظر عن تغير الظروف والأزمان.
قال تعالى: (وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقاً وَعَدلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ). [الأنعام: 115]
يشمل هذا الثبات المبادئ العامة مثل ضمان الضرر وحماية الحقوق والحريات. أما الأحكام التي تعتمد على القياس والمصالح المرسلة والأعراف، فإنها قابلة للتغيير والتطوير بما يتناسب مع الظروف المستجدة، مع الحفاظ على توافقها مع مقاصد الشريعة وأصولها، خاصة في مجال المعاملات.
طابع الشمول والعموم
يتميز الفقه الإسلامي بشموله لجميع جوانب الحياة، حيث يتضمن أحكامًا وقواعد تنظم علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبغيره من الناس. يشمل ذلك العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والجنايات وغيرها. يمكن تقسيم هذا الشمول إلى عدة أقسام:
- أحكام العبادات: تتضمن الأحكام المتعلقة بالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من العبادات.
- أحكام الأحوال الشخصية: تتعلق بالزواج والطلاق والميراث والنسب والحضانة والنفقة.
- أحكام المعاملات: تشمل البيع والشراء والإيجار والرهن والشركات وغيرها من المعاملات المالية والتجارية.
- الأحكام السلطانية (السياسة الشرعية): تتعلق بنظام الحكم والإدارة في الدولة، وحقوق وواجبات الحاكم والمحكوم.
- أحكام العقوبات (الجنايات): تتضمن العقوبات المقررة لجرائم القتل والسرقة والزنا والقذف وغيرها.
- أحكام الآداب والأخلاق: تتعلق بالقيم والأخلاق الفاضلة التي يجب على المسلم التحلي بها.
التخفيف ورفع المشقة
يقوم الفقه الإسلامي على مبدأ التيسير ورفع الحرج عن الناس، فلا يكلفهم بما لا يطيقون، ويراعي ظروفهم وقدراتهم. وقد وضع الشارع الحكيم رخصًا وتسهيلات للتخفيف عن المكلفين في حالات الضرورة والحاجة. قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). [الحج: 78]
من الأمثلة على التيسير في الإسلام:
- الصلاة قاعداً لمن لم يستطع القيام: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (صَلِّ قَائِماً، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ). [صحيح البخاري]
- قصر الصلاة الرباعية وجمعها للمسافر: ثبت عن ابن عباس -رضيَ الله عنهما- أنه قال:(كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجْمَعُ بيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ إذَا جَدَّ به السَّيْرُ). [صحيح البخاري]
الطابع الديني المميز
يتميز الفقه الإسلامي بصبغته الدينية الواضحة، حيث يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفاهيم الحلال والحرام، والثواب والعقاب. يعتمد الفقه الإسلامي على الرقابة الذاتية للمسلم، حيث يستشعر مراقبة الله تعالى له في جميع أقواله وأفعاله، ويؤمن بأنه سيحاسب عليها في الدنيا والآخرة.
الصلة الوثيقة بالأخلاق
يرتبط الفقه الإسلامي ارتباطًا وثيقًا بالأخلاق والقيم الفاضلة. يهدف إلى تحقيق العدل والإحسان والتكافل الاجتماعي، ونشر المحبة والتآخي بين الناس. يسعى الفقه الإسلامي إلى تهذيب النفوس وتزكيتها، والارتقاء بالمجتمع إلى أعلى درجات الرقي والتقدم.