مقدمة
في الشريعة الإسلامية، هناك ضوابط واضحة ومحددة تحدد العلاقات بين الأفراد، ومن أهم هذه الضوابط ما يتعلق بالزواج. الزواج هو رباط مقدس يهدف إلى بناء أسرة مسلمة صالحة. من هذا المنطلق، حرّمت الشريعة الزواج من بعض النساء تحريماً قاطعاً، سواء كان هذا التحريم دائماً أو مؤقتاً لظروف معينة. هذا المقال سيسلط الضوء على أصناف النساء اللاتي لا يجوز للمسلم الزواج بهن، مع بيان الأسباب الموجبة لهذا التحريم وفقاً للشريعة الإسلامية.
تعريف الزواج المحرم وأنواعه
الزواج المحرم هو كل زواج يخالف أحكام الشريعة الإسلامية وضوابطها، ويمنع قيام العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة. ينقسم هذا التحريم إلى قسمين رئيسيين: تحريم مؤبد وتحريم مؤقت. التحريم المؤبد يعني عدم جواز الزواج بالمرأة مهما تغيرت الظروف، بينما التحريم المؤقت يتعلق بوجود سبب معين يمنع الزواج، فإذا زال هذا السبب جاز الزواج.
النساء المحرمات بسبب القرابة
هناك مجموعة من النساء يحرم الزواج بهن بسبب القرابة وصلة النسب. وقد بين القرآن الكريم هذه الأصناف بوضوح:
- الأمهات: ويشمل الجدات وإن علون.
- البنات: ويشمل بنات الأبناء وبنات البنات وإن نزلن.
- الأخوات: سواء كن شقيقات، أو لأب، أو لأم.
- العمات: وهن أخوات الأب.
- الخالات: وهن أخوات الأم.
- بنات الأخ: ويشملن بنات الأخ الشقيق، أو لأب، أو لأم، وبنات أولادهم وإن نزلن.
- بنات الأخت: ويشملن بنات الأخت الشقيقة، أو لأب، أو لأم، وبنات أولادهن وإن نزلن.
هذا التحريم مبني على قوله تعالى في سورة النساء: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾ [النساء: 23].
النساء المحرمات بالرضاعة
الرضاعة لها تأثير كبير في الشريعة الإسلامية، فهي تثبت المحرمية كما يثبتها النسب. وهذا يعني أن المرأة التي أرضعت طفلاً تصبح أماً له بالرضاعة، ويحرم عليه الزواج بها أو بأي من بناتها أو أخواتها. وقد ورد في السنة النبوية ما يؤكد هذا المعنى، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب”.
بناءً على هذا الحديث، فإن المحرمات بالرضاعة هن: الأم من الرضاعة، والأخت من الرضاعة، والخالة من الرضاعة، والعمة من الرضاعة، وبنات الأخ من الرضاعة، وبنات الأخت من الرضاعة.
النساء المحرمات بسبب المصاهرة
المصاهرة هي القرابة التي تنشأ عن طريق الزواج. وهناك أنواع من المصاهرة تؤدي إلى تحريم الزواج:
- أمهات الزوجات: بمجرد عقد النكاح الصحيح على المرأة، تحرم أمها على الزوج تحريماً مؤبداً، سواء دخل بها أم لم يدخل.
- بنات الزوجات (الربائب): تحرم بنت الزوجة على زوج أمها، بشرط أن يكون قد دخل بأمها. أما إذا لم يدخل بأمها، فيجوز له الزواج بها. وقد قال تعالى في سورة النساء: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 23].
- زوجات الأبناء (الحلائل): تحرم زوجة الابن على الأب تحريماً مؤبداً بمجرد عقد النكاح الصحيح، سواء دخل بها الابن أم لم يدخل.
- زوجات الآباء: تحرم زوجة الأب على الابن تحريماً مؤبداً.
النساء المحرمات تحريماً مؤقتاً
هناك بعض النساء يحرم الزواج بهن تحريماً مؤقتاً، أي أن هذا التحريم يزول بزوال السبب الذي أدى إليه. ومن هذه الحالات:
- الجمع بين الأختين: يحرم على الرجل أن يجمع بين الأختين في الزواج. فإذا ماتت إحداهما أو طلقها جاز له الزواج بالأخرى. وقد ورد في السنة النبوية تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو المرأة وخالتها.
- المرأة المتزوجة: لا يجوز الزواج بامرأة متزوجة حتى تنتهي علاقتها الزوجية بالطلاق أو الوفاة، وتنقضي عدتها الشرعية.
- المعتدة: لا يجوز الزواج بالمرأة المعتدة سواء كانت معتدة من طلاق أو وفاة حتى تنتهي عدتها.
- المشركة: لا يجوز للمسلم أن يتزوج مشركة حتى تسلم. قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: 221].
- المحرمة بالحج أو العمرة: يحرم على المحرم بالحج أو العمرة الزواج حتى يتحلل من إحرامه.