فهرس المحتويات:
مقدمة
إن مسألة الزينة والتجمل من المسائل التي تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام الناس، خاصة النساء. ومن بين وسائل الزينة التي انتشرت في العصر الحديث استخدام الشعر المستعار، المعروف بالباروكة، أو وصل الشعر بطرق مختلفة. ويثير هذا الأمر تساؤلات حول مدى توافقه مع الضوابط الشرعية والأحكام الفقهية.
الضوابط الشرعية في لبس الشعر المستعار
الشعر المستعار، أو الباروكة، عبارة عن قطعة شعر صناعية أو طبيعية تُستخدم لتغطية الرأس بغرض الزينة والتجميل. وتتعلق هذه المسألة بشكل وثيق بمسألة وصل الشعر، حيث يرى الفقهاء أن هناك ترابطاً بين حكم الباروكة وحكم وصل الشعر نظراً للتشابه في الغاية والهدف من الاستخدام.
الأحكام الشرعية المتعلقة بوصل الشعر
يرى جمهور الفقهاء حرمة وصل الشعر إذا كان الشعر المستخدم في الوصل شعراً آدمياً أو شعراً نجساً. ويستندون في ذلك إلى مجموعة من الأدلة الشرعية، منها:
-
ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال:
“لَعنَ اللَّهُ الواصِلَةَ والمُستَوصِلَةَ، والواشِمةَ والمُستوشِمَةَ.”
[رواه البخاري] -
حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- حيث رُوي عنها أنها قالت:
“سألت امرأةٌ النبيّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنّ ابنَتِي أصابَتْها الحَصْبةُ، فامَّرَقَ شَعْرُها، وإني زَوَّجْتُها، أَفَأَصِلُ فيه؟ فقال: لعنَ اللهُ الواصلةَ والمستوصِلَةَ.”
[رواه البخاري] -
ما روي في صحيح البخاري من حَديث معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – حيث جاء فيه:
“قدِمَ معاويةُ المدينةَ، آخرَ قدْمةٍ قدِمَها، فخطبنا، فأخرج كُبّةً من شعَرٍ، قال: ما كنتُ أرى أحداً يفعلُ هذا غيرَ اليهودِ، إنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سمّاهُ الزورَ؛ يعني الواصلةَ في الشّعرِ.”
[رواه البخاري]
آراء العلماء في وصل الشعر
وصل الشعر بالشعر الآدمي
اتفق العلماء على حرمة وصل الشعر إذا كان الموصول به شعراً آدمياً، وذلك بقصد التجميل والتزين وتحسين المظهر، لما ورد من أحاديث وأدلة تنهى عن وصل الشعر صراحة، ولأن الانتفاع بشعر الآدمي محرم، إذ أن شعر الآدمي مكرم في أصله، ولا فرق في ذلك إن كان الشعر المستخدم من محرم كالأخ والزوج، أو من امرأة من الأرحام أو من غيرهم.
وصل الشعر بغير شعر الآدمي
تعددت آراء الفقهاء في حكم وصل الشعر إذا كان الشعر المستخدم في الوصل من غير شعر آدمي، كأن يكون مأخوذاً من مواد أخرى مثل الخيوط والصوف وشعر الماعز وغيرها. وفيما يلي تفصيل لهذه الآراء:
الرأي الأول: جواز الوصل بغير شعر الآدمي
ذهب إلى هذا الرأي فقهاء الحنفية والليث بن سعد، حيث يرون جواز وصل الشعر ما لم يكن مأخوذاً من شعر آدمي، كالصوف أو شعر الماعز أو وبر الإبل أو الخرق، لأن ذلك ليس من قبيل التدليس والخداع، وللفارق بين شعر الآدمي وشعر غيره.
الرأي الثاني: حرمة الوصل حتى بغير شعر الآدمي
ذهب فقهاء المالكية وأهل الظاهر إلى حرمة الوصل حتى بغير شعر الآدمي، واستدلوا على ذلك بعموم النهي الوارد في الأحاديث النبوية، وقالوا إنها تشير إلى حرمة وصل الشعر مطلقاً، دون تفريق بين الوصل بشعر آدمي أو غيره، ولأن الوصل يعتبر من التدليس والخداع وفيه تغيير لخلق الله، فلا يجوز وصل الشعر حتى بشعر حيوان كالصوف والوبر وغير ذلك، إلا أن فقهاء المالكية استثنوا من ذلك وصل الشعر بالخرق أو الخيوط المصنوعة من الحرير، إذ إنها ليست شعراً ولا تشبه الشعر، فهي من الزينة وليست من الوصل المحرم.
الرأي الثالث: التفريق بين الشعر الطاهر والنجس
فرق الشافعية في حكم وصل الشعر من غير الآدمي، فإن كان هذا الشعر الموصول به نجساً وخبيثاً في أصله، فيحرم الوصل به لنجاسته، أما إن كان الشعر الموصول به طاهراً، فيفرق كذلك بين المتزوجة وغير المتزوجة، فإن كانت متزوجة جاز ذلك لها إن أذن لها الزوج بالوصل، وإن كانت غير متزوجة حرم عليها الوصل، أما وصل الشعر بشيء مصنوع كالحرير الملون، فلا بأس به، لأنه لا يشبه الشعر ولعدم ورود النهي عن استعماله.
الرأي الرابع: التمييز بين وصل الشعر بمادة شعرية أو غير شعرية
ذهب فقهاء الحنابلة إلى أن الوصل يحرم إن كان بشعر آدمي أو غير آدمي، كأن يستخدم في الوصل شعر الماعز أو شعر البهائم، وذلك للنهي الوارد في النصوص النبوية عن وصل الشعر بشعر، حتى لو كان شعر غير آدمي، أما إن كان الوصل بغير شعر، كالصوف أو الحرير أو الخرق، فيجوز وصل الشعر لحاجة، كربط الشعر أو شده، ونقل عن الحنابلة قولان في حكم الوصل لغير حاجة: الحرمة والكراهة، ويرى ابن قدامة من الحنابلة أن الراجح عندهم كراهة ذلك لا حرمته.
اعتبار الباروكة كنوع من وصل الشعر
بعد استعراض آراء الفقهاء في حكم وصل الشعر بالشعر الآدمي أو بغيره، يتضح أن لبس الباروكة المصنعة محل خلاف بين الفقهاء، فمنهم من حرمه لوجود التدليس فيه، ومنهم من أجازه لعدم تشابهها بشعر الآدمي.
الزينة والتجمل في الشريعة الإسلامية
خلق الله -تعالى- الإنسان في أحسن صورة وأتمِّها، وجبله وفطره على حُبّالتَّجمُّل والتزين، بل دعا الله -تعالى- عباده إلى التزيُّن باللباس الحسن، والاهتمام بالهندام والمظهر، إلّا أنّ التجمّل والتزيّن مقيَّدٌ بضوابط الشرع، وعدم انتهاك محظور، كالإسراف والتبذير، أو التزيُّن بما حرّم من الزينة، قال تعالى:
“يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” [الأعراف: 31].
والتزُّين بما جَمُل من الثياب في الإسلام مَشروعٌ للرّجال والنّساء ضمن ضَوابط وحدودٍ حدَّدها الله لكلٍ منهما، فلباس المرأةيختلف في حكمه وكيفته عن لباس الرجل، كما أمر بتسريح الشعر وتزينه؛ ومن ذلك أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دعا إلى العناية به والاهتمام بمظهره وشكله من خلال تسريحه وإكرامه دون مبالغة، فقال -صلى الله عليه وسلم-:
“منْ كان له شعرٌ فليُكْرمهُ.” [رواه أبو داود]
المراجع
- الموسوعة الفقهية الكويتية
- أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي – محمد عثمان شبير
- موقع إسلام ويب
- الدرر السنية