نشأة الدولة العباسية
بعد رحيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه قيادة الأمة الإسلامية، وذلك عن طريق الشورى والمبايعة من قبل الصحابة الكرام. ثم استمرت الخلافة بالتناوب بين المسلمين بالاتفاق والتشاور، حتى وصلت إلى بني أمية. في أواخر عهد الأمويين، دبّ الضعف في دولتهم، مما أتاح الفرصة لأبي العباس بالوصول إلى السلطة وإقامة الخلافة العباسية.
كان قيام الدولة العباسية بمثابة تحول جذري في نظام الحكم، حيث تميزت الخلافة الراشدة والخلافة الأموية بالشورى كركيزة أساسية للحكم، بينما اعتمد العباسيون على القوة العسكرية للإطاحة بالأمويين. انطلق أبو العباس السفاح من الكوفة لتأسيس حكمه وجعلها عاصمة له. بعد استلامه الحكم، عمل على تثبيت أركان الدولة والتخلص من خصومه ومعارضيه.
شهد العصر العباسي صراعات واضطرابات وحروب متواصلة، مما دفع المؤرخين إلى تقسيم هذه الحقبة إلى مرحلتين رئيسيتين.
الأطوار التاريخية للخلافة العباسية
يمكن تقسيم تاريخ الخلافة العباسية إلى فترتين متميزتين:
فترة الازدهار والقوة
تبدأ هذه الفترة مع وصول هارون الرشيد إلى سدة الحكم، وتتميز بسيطرة الفرس على المناصب العليا في الدولة، وذلك بسبب ميل العباسيين إليهم. كان النظام الإداري مشابهاً للنظام الفارسي، حيث ظهر منصب الوزير، وكان أبو سلمة الخلال أول وزير في التاريخ الإسلامي. شهدت هذه الحقبة ازدهاراً كبيراً في العلوم والفنون، واتسعت الفتوحات الإسلامية، مما عزز مكانة الدولة الإسلامية بين الأمم. استمرت فترة القوة في عهد المأمون والمعتصم والواثق.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (المجادلة: 11). وهذا ما تجسد في العصر العباسي الأول من اهتمام بالعلم والعلماء.
فترة التدهور والانحلال
بدأت هذه المرحلة بعد الخليفة الواثق واستمرت حتى نهاية الخلافة العباسية بمقتل الخليفة المستعصم عام 656هـ/ 1258م. تميزت هذه الفترة بسيطرة الأتراك، سواء كانوا جنودًا أو قادة، على الخلفاء العباسيين، حيث كانوا يديرون شؤون الدولة بينما كان الخليفة مجرد واجهة. انشغل المجتمع العباسي بالترف واللهو والفساد بعد أن كانت الفترة الأولى فترة فتوحات عظيمة.
ظهرت في هذه الفترة حركة الشعوبية، وهي عبارة عن تعصب عرقي يكره العرب ويفضل عليهم غيرهم، مما أدى إلى ظهور العداوات والحركات الانفصالية والثورات ضد الحكم العباسي. نشأت الدويلات الصغيرة في شرق الدولة الإسلامية وغربها، مثل الدولة الصفارية والدولة الطاهرية، وازداد عدد الدول المستقلة عن الدولة الإسلامية في المغرب العربي، مما أضعف الدولة العباسية بشكل كبير.
نتيجة لهذا الضعف، اجتاح التتار أراضي الدولة العباسية وسيطروا عليها وحاصروا بغداد لمدة أربعين يومًا، وقتلوا مليون نسمة من سكانها، بعد أن قضوا على العلماء والأئمة وكبار التجار والأعيان. وأخيرًا، تم قتل المعتصم رفساً بالأقدام، وبذلك انتهت الدولة العباسية.
وقد ورد في الحديث الشريف: “لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا” (صحيح مسلم)، وهو ما يشير إلى التغيرات الكبيرة التي طرأت على المنطقة بعد سقوط الخلافة العباسية.